كبرت قبل الأون…
ما زالت "منى" تملك أحلاماً طفولية وتحب لعب "نط الحبل" و"الغمامة"، وهما لعبتان شعبيتان عادة يلعبهما الأطفال في سوريا، ظروف الحرب في مدينتها لم تسنح لها الفرصة لإكمال دراستها فتوقفت عند الصف السابع، وغادرت درج المدرسة بمجرد زواجها من ابن عمها المتطوع في صفوف الجيش السوري، رغم أنها كانت تحلم أن تصبح (معلمة)، لكن أحلامها الطفولية هرمت، وآمالها بالمستقبل تحطمت.
تقول منى لمراسل "سبوتنيك"، منذ الصغر كنت أحلم بأن أصبح معلمة إنجليزي، ولكن عندما توفيت والدتي قرر والدي تزويجي، فبحسب قوله "البنت ما لها غير بيت زوجها ليكون سندا لها"… تكمل منى، في البداية رفضت ولكن ليس باليد حيلة، فكان ابن عمي الذي استشهد منذ سنة من نصيبي.
اليوم قررت "منى" أن تتعلم مصلحة الخياطة لكي تعمل وتربي أطفالها الأيتام.
قصة "منى" تشبه آلاف القصص لفتيات سوريات، لم تتجاوز أعمارهن الخامسة عشر عاماً، لجأ أهلهم إلى تزويجهم خوفاً من رهبة الحرب، منهن من تزوج في سوريا وآخريات تزوجن للخارج.
العنصر المادي…
فـ(سحر) تزوجت في سوريا قبل سفرها مع زوجها الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً، وذلك لتحمي نفسها من مخاطر الحرب وما قد تتعرض له الفتيات من اغتصاب في المناطق غير الآمنة في سوريا.
تقول "سحر"، هذا هو الحل الوحيد بالنسبة لي، فأنا لم أكمل تعليمي لعدم توفر العنصر المادي لدى والدي الذي فقد عمله، ولدي أخ مقعد إثر قذيفة هاون سقطت في منزلنا في محافظة حمص، لذلك قررت الزواج بالشاب الذي يريحني من الفقر والعذاب.
"سحر" إحدى ضحايا الحرب، فهي تؤكد أنها لا تعرف كيفية تربية أبنائها رغم أنها أصبحت أم لثلاثة أطفال، وأن أم زوجها هي التي أشرفت على تربيتهم، كما تعتقد أنها لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها، فالمسؤولية الزوجية صعبة جداً كما ترى.
لم تتردد "فاطمة" 16 عاماً من محافظة حلب في الزواج من رجلٍ يكبرها بسنوات، إذ أرادت فقط أن تخفف عن والدها بعض المصاريف بعد إغلاق المصنع الذي كان يعمل فيه بريف حلب، فتخلت عن أحلامها، حتى أنها نسيتها تماماً.
تقول "فاطمة"صحيح أن زوجي يكبرني بسنوات، لكنني سعيدة لأنّه يؤمن لي متطلبات الحياة".
سمسار الحرب…
أما "دعا" (13 عاماً) من دمشق الذي تم زواجها عبر سمسار عرّف زوجها على والدها.
تقول "دعا"، أجبرني والدي على ترك المدرسة بعد أن تقدَّم لي رجل أربعيني فتزوّجته رغم أنِّي أحلم أن أكمل دراستي وأصبح صيدلانية.
تكمل "دعا" لم أكن أتوقّع أن أتزوج بهذا العمر، لكن ظروف الحياة صعبة وعائلتي وقعت في ورطة المعيشة والغلاء والتهجير، فكان زواجي الحل الوحيد لتخليصها من تلك الديون".
زواج عرفي…
أما "فرح"، والتي لم تكمل فرحة عمرها فقد زوجتها والدتها من رجل يكبرها بثمانية أعوام في إحدى مناطق دمشق العشوائية، هذا الزواج العرفي (غير مسجل في المحاكم الرسمية) لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر لعدم توافق الطرفين على العيش سوية.
تقول "فرح" والدي متوفي وأخي سحب إلى الخدمة الاحتياطية ولا يوجد معيل لنا، كنا نعيش في حي فقير، وفي ظل الفوضى خافت والدتي علي كثيراً من أي اعتداء أو سوء ربما أتعرض له، فزوجتني عندما تقدم لي أول عريس.
خمس معاملات يومياً…
من جهة ثانية كشف القاضي الشرعي الأول بدمشق "محمود معرواي"، أن عدد معاملات زواج القاصرات في دمشق بلغ نحو 5 معاملات يومياً، أي بنسبة 10 إلى 15بالمئة من معاملات الزواج، والتي وصل عددها نحو 50 معاملة، وأكد أن ارتفاع حالات زواج القاصرات جاء "نتيجة الأوضاع الراهنة وسوء المعيشة"، مشيراً إلى أن القاصر تصر على الزواج من أي شخص بهدف الإنفاق عليها، ولو كان عمرها غير مناسب للزواج.
وأضاف المعراوي، هناك نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات أقدمن على الزواج عرفيا، ويتجاوز عدد معاملات تثبيت الزواج للقاصرات اللواتي تزوجن خارج المحكمة الشرعية بـ100 حالة يومياً، مشيرة إلى أن عدد حالات الزواج العرفي في سوريا للقاصرات بلغ ما يقارب 400 حالة.
وأكد المستشار معراوي إلى أن هناك الكثير من الآباء يلجؤون إلى تزويج بناتهم عرفياً أي خارج المحكمة، وبعدما تحمل الفتاة فإنها تتقدم بدعوى تثبيت الزواج.
وفي ذات الوقت حذر من الآثار الكارثية لعدم التوثيق على الفتاة وحقوقها والأطفال المتولدين من هذه الزيجات، خصوصاً فيما يتعلق بالنسب والهوية والجنسية والرعاية، مؤكداً أن فسخ العقد إذا كانت الفتاة تحت السن القانونية لا يمنع من ثبيت النسب في حال وجود أطفال.
أمنياتهم المتبقية…
في الوقت الذي تتمنى "منى" عودة عقارب الزمن إلى الخلف لتعود إلى ألعابها (الغميضة ونط الحبل)، فإن "سحر" تدرك أن عقارب الزمن لا تعود للوراء، لذا فإن أمنيتها أن يعيش أطفالها بظروف أفضل من الظروف التي عاشتها وقادتها إلى اللجوء والزواج المبكر، تحب أن يتعلموا ليكونوا واعين وقادرين على مواجهة الحياة، أما "دعا" والتي لا تنظر إلى الوقت أبداً وتكتفي بالقول، الحمد الله على كل شيء، فمن أجل سعادة عائلتي ضحيت وسأبقى أضحي، و"فرح" التي جفت دموع عينيها، فتتمنى لو أن والدها لم يكن متوفيا، وأن الحرب الملعونة لم تعصف في بلدها سوريا، عل نصيبها يكون أجمل.
