وضعت الحكومة التركية الجديدة، برئاسة علي يلدرم، على رأس قائمة أولوياتها التقليل من خلافاتها مع العديد من البلدان، لاسيما دول الجوار، في ظل المصاعب الكبيرة التي تواجهها علاقاتها الخارجية وإستراتيجياتها في المنطقة، وخلافاً لما كان يروج له في الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي التركي ستكون إسرائيل أول المستفيدين من هذا التحول، أو بالأحرى التراجع التركي.
صحيفة (معاريف) الإسرائيلية نقلت عن مصادر رفيعة المستوى في تل أبيب أن "الفجوات في محادثات المصالحة بين تركيا وإسرائيل تقلصت كثيراً، وأن إنجاز الاتفاق بين الدولتين ربما يحتاج إلى اجتماع آخر، أو اثنين، لوضع اللمسات الأخيرة.."، وأضافت الصحيفة نقلاً عن وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، يوآف غالانت:
"إسرائيل وتركيا أوشكتا على إتمام المصالحة بينهما، وتم صوغ معظم بنود هذا الاتفاق، ولم يبق سوى اللمسات الأخيرة..". في السياق ذاته قال وزير الطاقة، يوفال شتاينتز، في مقابلة مع إذاعة إسرائيلية: "انتهينا بنجاح من التعامل مع 90 في المئة من المواضيع"،
وأضاف:
"هناك اهتمام كبير من كلا الجانبين. اهتمام استراتيجي وآخر متعلق بالطاقة والاقتصاد".
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مهّد لهذه المساومة بإعلانه، يوم الثلاثاء الماضي، أن إسرائيل قدمت بعض الاقتراحات حول الطرق لسد النقص في الكهرباء والماء في قطاع غزة المحاصر. ويفهم من هذا التصريح أن تركيا لم تعد متمسكة بمطلب رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، بل التخفيف منه شكلياً، مع التسليم بالسياسات التي تتبعها حكومة نتنياهو ضد القطاع، مقابل عودة العلاقات السياسية والاقتصادية مع تل أبيب، وفي مرحلة قادمة سيوضع على جدول الأعمال استعادة زخم التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين.
الخطوة التركية ستكون مخيبة لآمال من راهنوا على استراتيجيات تركية جيدة تعدل ميزان القوى في المنطقة المختل كلياً في صالح إسرائيل، وغاب عن حسابات أولئك أن السياسات التركية تحكمها حسابات براغماتية، في كثير من الأحيان تكون غارقة فيها، وأن اتجاه تركيا للعلاقات مع إسرائيل أولاً، بعد إعلان حكومة علي يلدرم سعيها لـ"التخفيف من الخلافات مع الدول الأخرى"، ليحل مكان الشعار السابق "خلافات صفر مع دول الجوار"، يؤشر إلى أن تركيا بصدد التراجع خطوات للخلف في أهم ملف إقليمي، في حين لا تبدو متحمسة بالمقدار نفسه للبحث في سياساتها تجاه القضايا الإقليمية الأخرى، التي لا شك في أنها ذات أهمية كبيرة في إدارة دفة سياساتها الخارجية، مثل العلاقة مع روسيا، من حيث أهميتها السياسية والاقتصادية، وموقف تركيا من الأزمتين السورية والعراقية.
تفسير الخطوة التركية تجاه إسرائيل ترجع إلى اعتقاد الرئيس أردوغان وحكومة "حزب العدالة والتنمية" أن الثمن الذي ستدفعه أنقرة أقل تكلفة، وتندرج في إطار مراهناتها على مغازلة الإدارة الأميركية القادمة، بينما معالجة الملفات الأخرى ثمنه تغيير دفة سياساتها الخارجية، لكنها لا تستطيع أن تتغاضى طويلاً عن التعاطي مع مقاربات جديدة لتلك لملفات، لاسيما في ضوء خلافاتها المحتدمة مع الولايات المتحدة الأميركية، وثقل وطأة تطورات الأزمتين السورية والعراقية، والأزمة الداخلية التركية، المواجهات المسلحة مع مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" التركي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)