وكما تحمل معركة يونيو/حزيران من العام 1967، ذكريات أليمة عند العرب والمصريين، فهناك الكثير من الأسرار التي لم يكشف عنها حول ما صاحب العدوان الإسرائيلي والهدف من الدعم المقدم من الولايات المتحدة. ويرى الخبراء الذين عاصروا تلك المعركة أن ما جرى كان فصلا من فصول المواجهة العربية مع إسرائيل المدعومة من واشنطن التي ترفع شعار العداء للعرب وللزعيم جمال عبد الناصر.
فشل مخطط فرنسا وبريطانيا بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة في كسر إرادة القيادة المصرية عام 1956، فكان القرار إعادة المحاولة من جديد والتهيئة لحرب تقودها إسرائيل، على أن تقوم واشنطن بتقديم مزيد من الدعم المالي والسلاح المتطور للإسرائيليين، فضلا عن الحشد السياسي الدولي ضد مصر.
شاهد على التاريخ:
ويكشف أحد المحاربين القدامى من الذين عاصروا تلك الأحداث، اللواء أركان حرب، حامد الشعراوي، في حديث لـ " سبوتنيك"، بعضا من أسرار تلك المعركة وكيف خرجت منها مصر بدعم من الاتحاد السوفيتي لاستعادة كبرياء وهيبة الجيش المصري الذي لم يخض حربا حقيقية في يونيو/حزيران من العام 1967، ودفع ثمنا باهظا لقرار الانسحاب غير المدروس، في ظل عداء الإدارة الأمريكية للقيادة السياسية المصرية، خاصة جمال عبد الناصر.
وأوضح الشعراوي أن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون استدعى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول إلى الولايات المتحدة عام 1964، وأبلغه قرار واشنطن بتطوير تسليح إسرائيل حتى يمكن أن تتفوق في المعركة القادمة على مصر وسوريا والأردن ولبنان. وبعدها خرج أشكول معلنا عن استراتيجية توسع إسرائيل لاستيعاب كل يهود العالم، مشيرا إلى أن كميات السلاح المتنوعة التي وصلت إسرائيل، في صفقة بلغت 40 مليون دولار، بالتزامن مع قيام ألمانيا بتقديم مبلغ 200 مليون مارك للحكومة الإسرائيلية، كما بدأت إسرائيل برنامج صواريخ متطور.
ولفت اللواء أركان حرب إلى أن جهاز الاستخبارات الأمريكي "سي آي إيه" منح إسرائيل إمكانيات متطورة لجمع المعلومات وفك الشفرة المدنية والعسكرية لمصر، والقيام بأعمال التشويش الالكتروني والإعاقة. كما ساعدت على اختبار خطة غزو مصر على الحاسبات الإلكترونية للأسطول الفرنسي من دون علم شارل ديغول، ومن ميزانية جهاز الاستخبارات الأمريكي تم توفير عدد الأسلحة المتطورة لإسرائيل مثل "سكاي هوك" و"ميراج" ودبابات من طراز "ليوبارد"، وتمكنت إعداد ما يقرب من 600 طيار من مختلف دول أوروبا جاهزين للحرب بجانب إسرائيل.
وأشار الى ان الاتحاد السوفيتي ابلغ مصر بأن هناك حشود عسكرية على الجبهة مع سوريا، مضيفا ان مصر قامت بالحشد من جانبها بهدف لفت أنظار العالم والتدخل لمنع اندلاع الحرب، موضحاً أن عبد الناصر طالب خلال زيارته الدول التي تدعم الحرب بوقف امتدادات البترول لإسرائيل، بينما جاء رد الرئيس الأمريكي جونسون أنه سيمد إسرائيل بما تحتاجه من مواد بترولية.
تركيا تتحالف مع واشنطن لتصفية عبد الناصر:
وأشار إلى أن تركيا في عام 1964، طالبت باجتماع لحلف شمال الأطلسي بهدف بحث تصفية الرئيس جمال عبد الناصر وتحجيم دور مصر في المنطقة، واعتبرت ان علاقات مصر مع سوريا والعراق والممالك الخليجية سيئة، فضلا عن تواجد الجيش المصري في اليمن، وأن الرئيس الأمريكي جونسون طلب استطلاع رد الدول الصديقة، ووافقت أغلبها على ضرب مصر باستثناء إيطاليا وفرنسا واليونان.
ولفت إلى أن الرئيس الأمريكي جونسون أمر بإرسال سرب من طيران الاستطلاع من ألمانيا إلى إسرائيل وإجراء مسح كامل لجبهات القتال ورصد الحشود العسكرية، مشيراً إلى أن هذا العمل كشف كافة التحركات المصرية في الميدان، كما قامت بإعداد قوات خاصة للتدخل في سيناء ومنع وصول الجيش المصري إلى الأراضي المحتلة في حال تفوق على الجيش الإسرائيلي.
أضاف الشعراوي أن الخداع الأمريكي وفي إطار السعي لوقف الأعمال العدائية سواء من جانب مصر أو إسرائيل، طلبت الإدارة الأمريكية عقد اجتماع مع مصر على مستوى نواب الرئيس، في يوم 6 يونيو/حزيران، في حين انه كان مخطط للعدوان في الخامس من نفس الشهر، وأن جونسون أراد أن تكون هذه المعركة هي معركة فاصلة مع الزعيم جمال عبد الناصر.
حادث "ليبرتي"
قال اللواء أركان حرب، حمدي الشعراوي، إن الولايات المتحدة أرسلت سفينة التجسس "ليبرتي" إلى شرق البحر المتوسط، لمراقبة مدى التزام إسرائيل بما تم التخطيط له، وعدم تجاوز الحد المسموح من جانب واشنطن وهو العريش ـ راس محمد، موضحاً أن الولايات المتحدة أعدت قوات للتدخل في سيناء والحيلولة دون وصول الجيش المصري إلى إسرائيل في حال تفوقه على إسرائيل.
وأوضح أن السفينة سجلت انتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة، كما سجلت اختراق رسائل القيادة العسكرية المصرية وتبديلها خاصة تلك الموجهة إلى الأردن وسوريا، فكان لا بد من ضرب السفينة والتخلص منها، مضيفاً أن لجنة التحقيق في الولايات المتحدة كشفت أنه صدر قرار للسفينة بالابتعاد عن الساحل المصري ولم يصل القرار إلى قائد السفينة الأمر الذي تذرعت به بإسرائيل لضرب السفينة، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الأمريكيين، إلى جانب الخسائر المادية التي لحقت بواحدة من سفن التجسس التي كانت تعتمد عليها واشنطن في مناطق مختلفة.
أخطاء القيادة العسكرية المصرية
وأرجع اللواء أركان حرب ما حدث خلال يونيو/حزيران من العام 1967، الأسباب بالأساس إلى أخطاء ارتكبت من جانب القيادة العسكرية، ومن المشير عبد الحكيم عامر، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، موضحاً انه كانت هناك مجموعة من الأشخاص حول المشير، ليس لديهم من الخبرة الكافية لإدارة الأزمة، مضيفاً أنه تم إبلاغ عامر بأن هناك ما يقرب من 900 دبابة إسرائيلية، وجاء رده قائلا "900 دبابة… القوات ممكن تموت" وصدر قرار الانسحاب رغم أن القوات كانت تحارب في الميدان وان ما وصل من معلومات خاطئة كان سببا في اتخاذ قرار الانسحاب.
خسائر إسرائيل في يونيو
أوضح أن موشي ديان أعلن عن أن خسائر إسرائيل كانت 300 قتيل وألف جريح و61 دبابة و سقوط 19 طائرة واختفاء 27 آخرين، كما أعلن القائد العسكري، العقيد شموئيل غونين، في كتابه "30 ساعة في حرب أكتوبر" أنه في 5 يونيو/حزيران فقدنا 20 بالمائة من الطائرات و15 بالمائة من الطيارين، ولولا الإصرار على استمرار القتال لتوقفنا، لأن أي دولة تحدث فيه هذه الخسائر توقف الحرب فوراً".
وأضاف الشعراوي أن الحقيقة، الانسحاب الذي صدر بشكل غير سليم وما تسبب ذلك في فقدان القادة السيطرة على الجنود، ومكن القوات الجوية الإسرائيلية من اصطياد الجنود المصريين في الصحراء، مضيفاً أنه قبل الحرب حدث تغيير للخطط وتعديل أوضاع القوات 4 مرات، مما أربك القادة وأرهق القوات واستهلاك للآليات وذلك في فترة لا تتجاوز العشرين يوماً، كما حدث تغيير للقيادة وتعبئة 215 من القيادات خلال الفترة من 15 مايو/أيار حتى 5 يونيو/حزيران، وأن أغلب القيادات كانت قيادات أمنية تمثل عيون المشير على الجيش وهي غير مؤهلة للقيادة.
وذكر أنه في تبادل الأسرى في الأول من يناير/كانون الثاني من العام 1968، قدمت مصر 219 أسيرا إسرائيليا، منهم 9 طيارين، وهذا ما يعني أن القوات كانت تقاتل في الميدان ولم يكن هناك أي مبرر لقرار الانسحاب.
تقرير ـ أشرف كمال