رسالة الرئيس التركي إلى الرئيس فلاديمير بوتين، والتي عبر خلالها عن أمله في عودة العلاقات الطبيعية؛ وتلك التي بعث بها رئيس الحكومة التركية إلى نظيره الروسي دميتري ميدفيديف، هي محاولة جديدة يتودد من خلال الأتراك إلى القيادة الروسية، ورغبة واضحة في احتواء الغضب الروسي الذي كشف حقيقة الأطراف المتورطة في الأزمة السورية وفي نشر الإرهاب والتطرف العنيف، ومخطط تغيير الأنظمة الحاكمة بأخرى يسهل السيطرة عليها.
تتجاهل النخبة الحاكمة في تركيا أن سياستها هي التي وصلت بالعلاقات إلى هذه المرحلة، وأن الطموحات والغطرسة التي تجاوزت كل الحدود لا تزال تسيطر على نهج التعاطي مع الأزمات المتلاحقة داخليا وخارجياً، حيث يريد أردوغان العودة واستعادة الثقة من دون اعتذار ودفع التعويضات المستحقة ومعاقبة كافة المسئولين عن مقتل الطيار الروسي، بداية من السياسيين الذي أوعزوا باستهداف طائرته إلى العسكريين الذي أصدروا أوامرهم بإطلاق النار الغادرة، ويكشف الوجه القبيح الداعم للإرهاب والتطرف والفوضى.
تركيا التي تشهد صراعا على الهوية باتت غير قادرة على تبني توجه واضح ومحدد، سواء في الداخل حيث الصراع بين العلمانية وتيار الإسلام السياسي، الذي يمثله أردوغان ومن خلفه حزب "العدالة والتنمية"، ويسعى منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2002 إلى إقامة دولة دينية تعكس توجه حزب "العدالة والتنمية" وتتطلع للعودة إلى الخلافة العثمانية، ولعل تصريحات رئيس البرلمان، ودعوته إلى تبني دستور ديني لتركيا بالتزامن مع محاولات النخبة تغيير الدستور والانتقال إلى نظام سياسي من أجل مزيد من النفوذ على مؤسسات الدولة التي باتت رهينة رغبات السلطان العثماني الجديد.
تصريحات رئيس البرلمان الذي يعتبر من مؤسسي الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" لم تكن عفوية، بل جاءت في إطار استراتيجية للتغيير الشامل في البلاد بدأت من السماح بعودة ارتداء الحجاب والتعليم الديني في المدارس والمعاهد، وصولا إلى إعادة صياغة الحياة السياسية التركية خلال عام 2023 وهي الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية.
تركيا تدخل مرحلة جديدة في ظل احتدام الصراع على الهوية، ورفض المعارضة تغيير النظام السياسي في البلاد، إدراكا بأن نظام الخلافة وحكم الفرد يكرس للاستبداد ويضع كافة مؤسسات الدولة تحت رحمة السلطان.
التخلص من إرث "أتاتورك" هدف استراتيجي طويل المدى في "تركيا أردوغان"، ووهم الخلافة المسيطر على عقل وفكر ونهج النخبة الحاكمة يدفع إلى الصراع مع دول الجوار والتورط في الأزمات المشتعلة بالمنطقة خصوصا في سوريا وتوتر العلاقات مع دول الجوار الأخرى، واستمرار تلك السياسات لن يزيد الأتراك إلا عزلة وإثارة مزيد من التوتر والمواجهة مع دول المنطقة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)