رغم ما يحمله الاعتذار من دلالات سياسية؛ إلا أنه يتعين ارتباطه بخطوات ملموسة تجاه الأحداث الجارية على الأرض، ومواقف تعكس حسن النوايا في بناء مناخ جديد من الثقة، وإلا يتوقف الأمر عند إرسال خطاب يحمل كلمات الأسف والندم على ما اقترف من ذنوب وخطايا.
اللافت أن خطاب الاعتذار جاء بالتزامن مع قرار الإفراج عن العسكريين المتورطين في استهداف القوات الروسية، في حين هؤلاء اقتصر دورهم على تنفيذ قرار عسكري تمت صياغته سياسياً من دوائر صنع القرار التركي. وبالتالي فإن تحديد المسؤولية محسوم في حال صدقت نوايا محاسبة المتورطين، لإثبات أن الأمر يخلو من المراوغة السياسية التي يجيدها أنصار تيار "الإسلام السياسي".
نعم العلاقات الاقتصادية مهمة، لكن الاقتصاد لا يمكن أن يكون بمعزل عن استراتيجية الحفاظ على الأمن القومي بمفهومه الشامل، فالقوات الروسية تواجدت في سوريا ليس بهدف مزاحمة قوى أخرى؛ بل للحفاظ على مصالحها والقضاء على البؤر الإرهابية والأخطار التي تحاول الاقتراب من حدودها وقطع الطريق أمام محاولات تطويق روسيا وافتعال أزمات هنا أو هناك.
النخبة الحاكمة مطالبة بقطع كافة الاتصالات مع الجماعات الإرهابية، واتخاذ خطوات جادة لمحاربة التنظيمات الإرهابية، والتي تبدأ بإغلاق كافة المنافذ الحدودية أمام عبور السلاح والعناصر الإرهابية التي تستهدف القوات الروسية العاملة في سوريا؛ وتتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وتترك للشعب السوري حرية تقرير مصيره واختيار قيادته؛ كذلك تحديد موقفها النهائي من استعادة روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم وتتوقف عن سياسة تحريض "تتار القرم" واحترام نتائج الاستفتاء.
نظريا، ووفق وجهة النظر قصيرة المدى، يمكن اعتبار خطاب الاعتذار كاف على أقل تقدير سياسيا ومبرر لعودة العلاقات بين البلدين. لكن من وجهة النظر الاستراتيجية طويلة المدى والمعطيات السابقة والمواقف الثابتة للنخبة الحاكمة في تركيا، إلى جانب الصفات الشخصية للرئيس التركي المتفرد بإقرار سياسة بلاده، المتنبي فكر ونهج أجداده العثمانيين في إطار عقيدة عسكرية وسياسية تتعلق بسياسية حلف شمال الأطلسي بمواقفه المعروفة تجاه روسيا، فإن الاعتذار غير كاف.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)