يبدو للوهلة الأولى أن الرئيس التركي ورئيس حكومته الجديدة رفيق رحلة الصعود إلى السلطة، ابن علي يلدريم، في محاولة لتعديل مسار السياسة الخارجية التي تسببت في توتر العلاقات مع دول المنطقة العربية ومع روسيا فضلا عن التجاذبات التي تشهدها العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على واقع الموقف من ملفات سياسية واقتصادية مختلفة.
وفي الحقيقة، المواقف السياسية للحكومة التركية ما تزال غامضة، في الوقت الذي تحاول فيه تجاوز ملفات الخلاف مع روسيا وإسرائيل ومصر، والاستفادة من ملفات المصالح المشتركة والتي تتعلق بالتبادل التجاري ومصادر الطاقة، باعتبار ذلك طوق النجاة للاقتصاد التركي الذي بدأ يتراجع على واقع سياسات أردوغان وتدخله في شؤون دول المنطقة، ومحاولات فرض زعامته على الشرق الأوسط.
خلال حوار تلفزيوني مع القناة التركية الرسمية، لفت رئيس الوزراء التركي، إلى أن من أهم أهداف بلاده تطوير علاقاتها الودية، ليس مع روسيا ومصر فقط، وإنما مع كل جيرانها حول البحر المتوسط، والبحر الأسود. وأضاف "الأمور واضحة فيما يتعلق بمصر، حدث انقلاب على الديمقراطية، وتم الانقلاب على مرسي الذي جاء إلى منصبه بالانتخاب، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ البداية للعالم أجمع، أن ما حدث هو انقلاب، وأننا لا يمكن أن نوافق على التغيير بهذه الطريقة".
وتابع "إلا أن الحياة تستمر على الجانب الآخر. فنحن نعيش في نفس المنطقة، ونحتاج لبعضنا البعض…سفننا تبحر إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس، ومن هناك تستمر إلى السعودية والأردن واليمن وإلى شرق أفريقيا. لذلك لا يمكننا قطع كل شيء فجأة حتى لو أردنا ذلك. هذا دون أن نشير إلى الروابط الدينية والثقافية التي تربط البلدين. لذلك فإننا إذا وضعنا جانبا الشكل الذي تغير به النظام هناك، وما يتعرض له مرسي وفريقه من ظلم، فإنه لا يوجد مانع يتعلق بتطوير علاقاتنا الاقتصادية".
والفكر الذي أشار إليه رئيس الحكومة فيما يتعلق بعلاقات بلاده مع مصر، هو نفسه الذي يقود في اتجاه تجاوز الأزمة مع روسيا وإسرائيل، وحتى تصبح بلاده مركزاً لتصدير الغاز إلى أوروبا "HUB" من خلال مشروع روسيا لإمداد أوروبا بالغاز عن طريق تركيا، والمشروع الآخر المدعوم من الغرب لنقل الغاز من حقل "شاه دينيز 2" في أذربيجان إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما يساهم في تغطية احتياجاتها من مصادر الطاقة إلى جانب ما يمثله ذلك من دور مهم في أسواق الطاقة العالمية، واستغلال التناقضات التي تشهدها مواقف الدول في عدد من الملفات الساخنة سياسيا واقتصاديا.
صحيح أن النهج البراغماتي يسيطر على السياسة الخارجية لأي دولة، والاقتصاد والطاقة أو ما يمكن وصفه بـ"دبلوماسية التجارة" تدفع "تركيا أردوغان" إلى تقديم تنازلات سياسية للتطبيع مع إسرائيل، بينما يطرح السؤال نفسه، عن مدى الاستعداد لتطبيع العلاقات مع روسيا ومصر والاستفادة من ملفات التجارة البينية والتي لا يمكن أن تكون بمعزل عن المواقف السياسية المؤثرة في كافة مجالات التعاون.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)