جاء في مقال الصحيفة: حدث في تركيا نهاية الأسبوع الماضي شيء ما. بعض يسميه محاولة انقلابية، وآخرون يعدُّونه محاكاة خرقاء للاستيلاء على السلطة. وهناك من يقول: لكي نعرف من يقف وراء هذه المحاولة، يجب أن نعرف من هو المستفيد منها.
هناك تأكيدات على أن المخطِّط الرئيس للمحاولة هو قائد القوات الجوية التركية السابق أكين أوزتورك، الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2013، بعد اعتقال عدد من الضباط الكبار خلال عملية "المطرقة". وفي أغسطس/آب 2015، أحيل على التقاعد، ولكنه طلب البقاء عضوا في المجلس العسكري الأعلى لمدة سنة. أي أنه كان سيحال على التقاعد في شهر أغسطس/آب المقبل.
وأوزتورك، هو الذي أعطى الأوامر في العاشرة من ليل السبت لانطلاق المحاولة الانقلابية، حين أقلعت طائرات "إف-16" من أربع قواعد جوية في أكينجي وأنقرة، وقد ساعده في ذلك صهره خاقان قرة قوش قائد السرب 141.
ويقال إن هذه المغامرة العسكرية خطط لها العسكر سابقا لخلع أردوغان وعدوه اللدود الآن الداعية فتح الله غولن. وقد دعمت وسائل الإعلام المقربة من أردوغان والتابعة لغولن محاكمات أعضاء منظمة "إرغينيكون" وعملية "المطرقة" التي تورط فيها ضباط رفيعو المستوى وسياسيون وصحافيون. ولكن هذه القضية انهارت بعد فترة، وأطلق سراح جميع المعتقلين ولكنها تركت أثرا في نفوسهم.
وكوَّن تغيير الجنرالات شعورا لدى الخبراء بأنه لم يعد للجيش أي مواجهة إيديولوجية مع السلطة والأهم كضامن للنظام العلماني. أي أن العسكريين أصبحوا عسكرا فقط. ولكن يبدو أن هناك في الجيش جنرالات بقوا غير موالين لأردوغان، والذين منعوه من التدخل عسكريا في سوريا، والقيام بعمليات عسكرية قاسية في جنوب — شرق البلاد. لذلك كان الجيش الخاص هو الذي يقوم بتنفيذ هذه المهمات. وكما يؤكد مراقبون، فإن هذا الجيش هو الذي أنقذ أردوغان وأفشل المحاولة الانقلابية، إذا كانت هذه فعلا محاولة انقلابية.
لماذا "إذا"؟ لأن جميع الأحداث كانت تشبه تمثيلية مدبرة.
ولتوثيق هذه الأحداث ومنحها صفة الحقيقة، أقلعت الطائرات ونزلت الدبابات إلى الشوارع، وحلقت المروحيات، وتم الاستيلاء على قناة "تي آر تي" التلفزيونية، وقرأ المذيع بيان "مجلس السلام في الوطن". وهذه القناة هي واحدة من نحو سبعين قناة تلفزيونية تركية، وهي تضم ثماني قنوات تلفزيونية إخبارية، ولكن المتمردين لم يستولوا عليها، وبقيت تبث برامجها الاعتيادية. كما بقيت الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تعمل بصورة طبيعية. فاستغل مسؤولون سابقون مثل الرئيس السابق عبدالله غول ورئيس الحكومة السابقة أحمد داود أوغلو ووزراء سابقون وغيرهم الأمر للتحدث عبر البث المباشر إلى الشعب التركي. وإضافة إلى هذا، فقد ظهر أردوغان نفسه مرتين في هذه القنوات، وجميعهم دعوا الجماهير إلى الخروج إلى الشوارع للقضاء على الطغمة العسكرية، لأنها تابعة إلى "البنية الموازية". وهذا ما حصل فعلا.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "البنية الموازية" يستخدم منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2013 مباشرة بعد حملة الاعتقالات التي نفذتها الشرطة وشملت مقربين من أردوغان بتهمة الفساد.
في بداية عام 2014، أعيد تنظيم جهاز الشرطة بعد طرد الألوف منه كما تم فصل عدد كبير من القضاة والعاملين في النيابة العامة من الخدمة. هذه الإجراءات لم تعجب المعارضة، التي لم توافق على عمليات القمع التي تجري بأمر من أردوغان. ولكن أردوغان أكد أن له كامل الحق للدفاع عن نفسه وأن هذا كان ضروريا.
وأيا كان مخطِّط الانقلاب، فإن الشيء الواضح هنا هو أن المنتصر الوحيد هو رجب طيب أردوغان، الذي يملك ثانية "كامل الحق" كما في قضية "المطرقة" في اتخاذ إجراءات قاسية مشددة في صفوف القوات المسلحة. ويبدو من مجريات الأحداث أن هذا سيشمل قطاعات أخرى غير الجيش. وقد طرد حتى الآن ما لا يقل عن 8000 من رجال الشرطة واعتقل 100 جنرال وأميرال، وفصل زهاء 3000 قاض واعتقل قاضيان من المحكمة الدستورية. وهنا يمكن أن نسأل: بالنسبة إلى اعتقال الجنرالات، الأمر واضح. ولكن لماذا يعتقل القضاة والعاملون في النيابة العامة؟ لأن الجماهير الهائجة في الشارع وجماهير "جنرالات الأرائك" أعلنت في الإنترنت تأييدها لأي عنف من جانب الحكومة.
ويمكن أن نستنتج من هذا ما يلي:
1- شبكة الإنترنت كانت تعمل بصورة طبيعية.
2- القنوات الإخبارية كانت تبث دعوات الوزراء والمسؤولين السابقين الذين دعوا الجماهير إلى الخروج إلى الشوارع.
3- لم يتم اعتقال أي وزير أو مسؤول رفيع المستوى.
4- الطائرات الحربية كانت تحلق في الجو، والجميع يعلمون بوجود أردوغان في مرمرة، ولكنه من دون أي عراقيل يعود إلى اسطنبول.
5- الهجوم على الفندق الذي كان ينزل فيه أردوغان نفذ بعد أن غادره.
6- القائمة بأسماء الانقلابيين كانت معروفة ليلة الانقلاب. أي قبل إجراء أي تحقيق.
7- المروحيات التي هاجمت مقر الاستخبارات لم تصب الهدف.
8- لم يعرف الجنود الذين كانوا على الجسر وفي المطار سبب وجودهم هناك، لذلك استسلموا فورا للجماهير.
9- لم تفهم استراتيجية الأشخاص الذين راهنوا بمستقبلهم وسمعتهم وحياتهم وهذا أمر محير.
المصدر: RT