مصير يتوعد مئات العراقيات التركمانيات، ليس بسبب الهرب مع حبيب خالف تقاليد القبلية، أو علاقة غرامية دون رابط شرعي ينتهك "البكارة" التي تمثل شرف "العيلة" في الشرق الأوسط، بل لاغتصابهن من قبل عناصر تنظيم "داعش".
تعامل العائلات مع المختطفات التركمانيات بيد تنظيم "داعش" منذ عامين، على أنهن "عار واجب طمره تحت التراب"، لتستعيد العائلة كرامتها مرة أخرى، حال دون تحرير نحو 600 فتاة وامرأة من الاغتصاب الأشد وحشية على وجه الأرض.
وتنفرد "سبوتنيك" بنشر تقرير منجز من قبل مؤسسة إنقاذ التركمان في العراق، يتضمن حكايات وأسماء وأعداد النساء العراقيات من المكون التركماني، اللواتي وقعنَّ بيد تنظيم "داعش" مختطفات يتجرعنَّ حياة مشابهة لحال الإيزيديات اللواتي أدخلهنَّ التنظيم للإسلام تحت الاغتصاب حتى الموت.
وكشف التقرير، أن 11 من النساء والفتيات التركمانيات، تمكن من الفرار من خاطفيهن الدواعش، من أصل 600 فتاة وامرأة مختطفة مصيرهن مجهول بيد تنظيم "داعش" الإرهابي.
وبين رئيس مؤسسة إنقاذ التركمان في العراق، علي البياتي في حديثه لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، أن السبب الرئيس في هذا العدد القليل من الناجيات، مقارنة بعدد المختطفات البالغ 600 امرأة وفتاة، يعود إلى عدم وجود دعم من جانب الجهات القيادية الدينية والسياسية والاجتماعية في المجتمع التركماني والعراقي على حمايتهن من جرائم الشرف، فضلا عن عدم وجود أي دعم حكومي أو دولي للإفراج عنهن أو التواصل مع ذويهنَّ.
ويعتقد البياتي أن العدد الحقيقي من الناجيات أكثر من المذكور حسب الأنباء التي تردنا من مصادرنا بين فترة وأخرى.
وخمس النساء التركمانيات، من الضحايا كُن قادرات على الهرب من استعباد الدواعش لهن، والالتحاق باسرهن في محافظتي النجف وكربلاء جنوب العراق، دون التعرض للرفض، لكن ذويهن يرفضون التعاون مع أي جهة للإدلاء بأي معلومات خوفا ً من الإحراج والعار، حسب التقرير.
ونقلت المؤسسة في تقريرها عن ناشطين محليين، إقدام واحدة من ثلاث ناجيات وصلن إلى مدينة زاخو التابعة لإقليم كردستان العراق، في تموز/يوليو 2015، على الانتحار في ظروف غامضة داخل مخيم للنازحين.
ولم يتم التوصل إلى الناجيتين في زاخو، لأنهما تحت سرية تامة من قبل حكومة الإقليم. لذلك لم تتمكن مؤسسة إنقاذ التركمان من الحصول على تفاصيل عنهن سواء عُدنَّ إلى عائلاتهنَّ أو لا.
قتلوا ابنتها الوحيدة بعد اغتصابها
تتواجد الناجية "ن" التي نتحفظ عن ذكر أسمها، والبالغة من العمر 56 سنة، في مخيم للنازحين في كركوك. وكانت تعيش مع عائلتها الصغيرة المكونة منها وزوجها وأبنتها فلذة قلبها الوحيدة داخل بيت بناحية العلم التابعة لمحافظة صلاح الدين شمالي بغداد.
ما تبقى لـ "ن" سوى الألم والحزن والذكريات تحملها معها في المخيم، حيث نزحت لوحدها بعد أن تمكنت من الخلاص من الدواعش الذين قتلوا زوجها وأبنتها التي كانت تعمل ممرضة بعدما اغتصبوها.
رفض الأهل خوفاً من العار
ناجية تركمانية أخرى هي من ناحية أمرلي التي حوصرت لمدة 83 يوماً في عام 2014، من قبل تنظيم "داعش"، وكان من المستحيل الحصول على أي معلومات أو تفاصيل حول رحلتها المأساوية بسبب رفض الأهل لها، ومثلما نوهت مؤسسة إنقاذ التركمان أن ممثليتها في كركوك حاولت مع ذوي الناجية ولم تفلح لأن الأسر ترفض التعاون خوفا ًمما أسمته بـ"وصمة العار الاجتماعي".
صُلبتا عاريتين بعد الاغتصاب
عند احتلال "داعش" لقرية البشير ذات الغالبية التركمانية (20 كم غرب محافظة كركوك شمال العراق)، اختطف الدواعش ثلاث شقيقات هنَّ "ص"، و"أ" و"ب" مع أبيهن.
تمكنت "ص" من الهرب من سيطرة "داعش" مع أطفال شقيقتها "ب"، بعد أسبوع واحد فقط من احتلال القرية التي شهدت قتل أبيها مع شقيقتيها بكل وحشية على يد الدواعش الذين أحرقوا جثتي الشقيقتين وعلقوهما مصلوبتين عاريتين على أعمدة الطاقة الكهربائية، بعد اغتصابهما.
آخر ناجيتين
"ن" و"م" شقيقتان في الثلاثينات من العمر، متزوجات، من قرية البشير أيضا، اختطفتا من قبل تنظيم "داعش" وتعرضتا للانتهاك الجنسي كذلك، ووفقا لبعض الأخبار التي وضعها التقرير نقلاً عن أقاربهما، إنهما ما زالتا على قيد الحياة.
مطالب بدعم دولي لإنقاذ التركمانيات
حددت مؤسسة إنقاذ التركمان، حاجة ملحة للعمل الميداني والدعم الدولي، مشيرة إلى الآثار السلبية على المجتمع ومستقبل العائلات في هذا الموضوع بالذات، أي تقبل الأهالي لفتياتهم ونسائهم العائدات من الاغتصاب حيث يتم النظر للنساء الضحايا بدونية وإنهن عار شوه سمة الأسرة.
وتسعى مؤسسة إنقاذ التركمان، إلى إعداد تقرير شامل وكامل، وجعله وثيقة ومرجعا للتحرك العملي، بعد وضع خطة للعمل الميداني الذي يحتاج إلى تدريب فريق من الناشطات التركمانيات، من نفس المنطقة للتحري عن ذلك مما يتطلب دعم المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في هذا الموضوع المهم والحساس.
وطالب رئيس المؤسسة، البياتي، بتحرك على مستوى جميع القيادات العراقية والتركمانية "الدينية والسياسية والاجتماعية والمدنية" التي لها تماس مباشر وتأثير على المجتمع التركماني من أجل توجيه العائلات لتقبل المختطفات، وعدم جعلهنَّ أو الناجيات منهن في وضع أصعب مما هن عليه الآن، وبذل كل الجهود لعودتهن إلى الحياة وإكمال دورهن في الحياة الأسرية والاجتماعية.
وأكد البياتي مختتماً، على ضرورة تقديم العلاج الصحي والنفسي للناجيات وتقديم تسهيلات أخرى لهن ولعائلاتهن لغرض توفير الحياة الحرة الكريمة بعيداً عن الإحراج والعار ونظرة المجتمع لهن، مع دعم منظمات المجتمع المدني المحلية العاملة في هذا المجال ومن نفس المجتمع بعد إدخال كوادرها في دورات محلية ودولية لغرض تطوير قدراتها في معالجة هكذا كوارث.
وأقرت الأمم المتحدة في بيان لها بوجود مختطفات تركمانيات يتعرضنَّ للعنف الجنسي على يد تنظيم "داعش"، تزامناً مع ذكرى مرور الذكرى الثانية لسبي آلاف النساء الإيزيديات من قضاء سنجار وقرى غرب الموصل في الثالث من آب/أغسطس 2014.
ويطبق المجتمع العراقي، عقوبات تقل غالباً للقتل بحق النساء والفتيات المخالفات لعادات وتقاليد الأسرة التي تحرم على الفتاة إقامة علاقة عاطفية، أو زواج والهرب مع الحبيب دون موافقة وعلم الأهل، وغالبا ً ما يتم قتلهنَّ رميا ًبالرصاص أو ذبحاً أو بقر بطونهنَّ أو الضرب المبرح حتى الموت وترمي جثث الكثيرات منهنَّ في مكبات النفايات أو تحت الجسور والأماكن التي تكثر فيها الكلاب السائبة التي تتناول لحومهن.