يعترف الدستور الروسي بالإسلام كأحدة الديانات الرئيسة في البلاد، وضمان ممارسة الملايين من المسلمين إحياء الشعائر الدينية والحفاظ على تعاليم الدين الحنيف في الأراضي الروسية المترامية الأطراف، في المدن الرئيسية وتلك التي تقع في الأقاليم المختلفة.
والمناطق الرئيسية التي تضم الشريحة الكبرى من مسلمي روسيا، تظهر في منطقتين رئيسيتين، الأولى في منطقة "الفولجا" وسط روسيا الاتحادية وتضم عدد من الجمهوريات ذات الحكم الذاتي المحدود، وهي جمهوريات تتارستان، باشكورتستان، شوفاشيا، ادمورت، موردوف، وماري، والثانية في منطقة "شمال القوقاز" جنوب غرب روسيا تضم جمهوريات الشيشان، داغستان، انجوشيتيا، كراتشي شركسيا، قبارديا بلقاريا،اديجيا.
جسر السلام بين الشرق والغرب
الإسلام جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة المجتمع الروسي، الذي يضم العشرات من القوميات والديانات المختلفة التي تعيش في سلام بعيدا عن النزاعات الطائفية، في ظل المشهد الراهن ومحاولات نشر الفكر التطرف العنيف وتغذية الميول الانفصالية لدى الاقليات العرقية والدينية في مناطق مختلفة من العالم، وارتباط روسيا بالعالم الإسلامي يعززه تعداد السكان المسلمين ومناخ الحرية في ممارسة شعائر عقيدتهم، وحرص هؤلاء على التواصل مع المجتمعات الإسلامية الأخرى خاصة في المنطقة العربية.
روسيا كنموذج للحوار بين الأديان إلى جانب استراتيجية الموقع الجغرافي الذي يربط بين القارتين الأوروبية والآسيوية، فضلاً عن حدودها القريبة من المنطقة العربية، يمكن أن تقوم بدور مؤثر على الساحة الدولية وفي المجتمع الإسلامي العالمي، تهدئة التوتر الحاصل بين الغرب والعالم الإسلامي، مواجهة خطر الإرهاب والتطرف الذي يهدد السلم والأمن الدوليين.
لا شك أن روسيا التي تعتبر جزء مهم من تسوية قضايا المجتمع الدولي، تنطلق من خلال رؤية تستهدف تحقيق مصالحها، وليس من خلال قرارات وإملاءت القوى الأخرى التي تسعى إلى محاصرتها وإضعاف موقفها سياسيا والحاق الضرر بأمنها القومي، ومن هنا فهي تتبنى استراتيجية تعتمد على موقعها في الخريطة السياسية للعالم ودورها البارز في الحضارة البشرية على مر العصور، من خلال رفض المواجهة والتصدي للتحديات وانتشار الأسلحة النووية والنزاعات والأزمات الإقليمية والإرهاب وخطر المخدرات.
سر قوة روسيا
وبعيدا عن تحديث منظومة السلاح واستراتيجيات ميادين الحرب، فإن سر قوة روسيا يكمن في ثقافتها وحضارتها العريقة المتجذرة في عمق التاريخ، والتعايش السلمي بين القوميات العرقية وأصحاب الديانات المختلفة، تحت راية الوطن الذي يوحد الجميع. إلى جانب ما يحققه انتشار اللغة الروسية في مناطق مختلفة حول العالم من فوائد، فضلا عن اقتراب كثير من الشعوب بالثقافة الروسية، في شرق أوروبا وفي المنطقة العربية الأمر الذي يخلق مناخا جيدا للتعاون بين الأصدقاء.
والصداقة القوية على المستويين الرسمي والشعبي، التي تربطها بالعالمين الإسلامي والعربي، فهي تتمتع بعلاقات تاريخية جيدة مع مختلف الدول، وتؤيد الرؤية المعتدلة للإسلام والتي تتفق مع فكر وتوجه المسلمين الروس، فضلا عما تشهده العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية من تطور ودعم خيار شعوب المنطقة في مواجهة التحديات المختلفة بما في ذلك محاولات بعض القوى تغيير أنظمة الحكم بالقوة سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم التظميات الإرهابية.
كذلك موقف روسيا من القضية الفلسطينية واضح ومفهوم، فهي من خلال سياسة خارجية متوازنة في علاقاتها مع كافة أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، تتحرك بهدف خلق آليات جديدة يمكنها أن تساعد في تصحيح الوضع الراهن وتشجيع استئناف عملية السلام على أسس ثنائية وبالتنسيق مع الأطراف المختلفة إقليميا ودوليا.
الخلاصة
روسيا بتاريخها السياسي والثقافي وامكانياتها الاقتصادية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام المشهد الراهن على الساحة الدولية، فهي تملك الحق في الدفاع عن مصالحها وضمان أمنها القومي، وذلك في إطار التعاون المثمر القائم على المنفعة المتبادلة والحوار والاحترام المتبادل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)