1- كيف أثر استهداف وسرقة المعامل على الاقتصاد السوري؟
ميالة: إن استهداف المعامل والمنشآت الإنتاجية المختلفة وما تعرضت له من دمار وسرقات، أدى إلى خروج بعضها بشكل كامل من العملية الإنتاجية أو أصبحت تعمل بجزء من طاقتها الإجمالية، الأمر الذي أحدث خللاً في التوازن الاقتصادي في سوق السلع تجلى في نقص العرض لبعض المنتجات، فضلاً عن المنعكسات الاجتماعية السلبية الأخرى المتمثلة بخسارة البلاد للصناعيين والفنيين من ذوي الخبرة وتضرر الحرفيين من أصحاب الورش الصغيرة وفقدانهم لمورد الرزق الأساسي.
إلا أنه وللحفاظ على المعامل والكوادر الصناعية العاملة في البلد تم السماح بنقل المعامل وبكامل التسهيلات الإدارية إلى المناطق الآمنة في حال رغبة المنتج، كما قامت الحكومة بإصدار المرسوم رقم /37/ القاضي بتخصيص نسبة 3 بالألف من قيمة المستوردات لإعادة تأهيل وحماية المدن والمدن الصناعية، كما تم التساهل أيضا بالسماح بالإنتاج ضمن الورش المنزلية وفي أماكن مؤقتة لتخفيض أثر الإنتاج إلى الحد الأدنى.
2- ما رأيك في نقل المعامل والمنشآت إلى خارج سوريا في بداية الأزمة، وهل وجهت وزارة الاقتصاد دعوات لعودتهم؟
ميالة: كما سبق ونوهنا إن عملية نقل المعامل والمنشآت إلى خارج سوريا لها انعكاسات وآثار سلبية على الاقتصاد الوطني.
تقوم الحكومة السورية ببذل كل الجهود وتفتح كل الأبواب لأبنائها الموجودين في الخارج، وستكون هناك تشريعات جديدة محفزة لدخول رؤوس الأموال في العملية الإنتاجية، وعلى سبيل المثال، القانون الصادر مؤخراً الخاص بالتشاركية بين القطاعين العام والخاص والذي يشكل إطارا تشريعياً ينظم العلاقة بينهما، ويلبي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية التي تشهدها سوريا، وخاصة في ترميم وإعادة تأهيل وتطوير وتوسيع البنى التحتية والمشاريع الحيوية ويتيح الفرصة للقطاع الخاص بالمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية كشريك أساسي وفاعل والتمويل بشكل أكبر في المشاريع الاستثمارية بما يتكامل مع الاستثمارات الحكومية، فسوريا اليوم بحاجة إلى رؤوس أموال كبيرة لعملية إعادة الإعمار وعودة الإنتاج إلى ما كان عليه قبل الأزمة، إضافة لكون الحكومة السورية حريصة كل الحرص على استعداد المناطق الصناعية والمعامل المهدمة وإعادة تأهيلها واستقطاب أصحابها الذين غادروها مكرهين وكانوا على استعداد للوفرة فور إعلان مناطقهم آمنة، وأننا في وزارة الاقتصاد نعمل دائماً وبالتعاون والتنسيق مع الفعاليات الاقتصادية المختلفة على تذليل المعوقات والصعوبات التي تعترض عملية العودة لتحسين الوضع الأمني وتحسين بيئة الأعمال وإعادة وتأهيل المناطق المتضررة لتشجع أبناءها على العودة إليها وممارسة حياتهم الطبيعية ونشاطاتهم الحيوية الاقتصادية كما في سابق عهدها.
3- لماذا لا تصل العلاقات الاقتصادية مع الدول الصديقة لسوريا إلى مستوى العلاقات السياسية؟
ميالة: ترتبط الإجابة على هذا السؤال بدرجة كبيرة بالأسباب الموضوعية والمعطيات التاريخية التي على أساسها تم التأسيس لعلاقات سوريا الخارجية مع الدول الصديقة.
فمرونة العلاقات الاقتصادية ضعيفة بمعنى أنه حتى لو توفرت الإرادة، فإن التطبيق يستغرق فترة لا بأس فيها، لكن نؤكد كوزارة اقتصاد بأن القرار لدى الحكومة هو بزيادة وتيرة التعاون الاقتصادي وحجم المبادلات التجارية، وتجدر الإشارة إلى أن عجلة التعاون التجاري تزداد سرعتها تدريجياً، ويظهر ذلك من خلال تشجيع أصحاب الفعاليات بالتوجه نحو الدول الصديقة وعلى رأسها "جمهورية روسيا الاتحادية، إيران، الصين، الهند، جنوب أفريقيا، بيلاروسيا، أرمينيا، كوبا، كوريا الشمالية وغيرها من الدول الصديقة"، ويمكننا القول بأن علاقات الصداقة والتعاون مع هذه الدول كان خياراً سياسياً بالدرجة الأولى لكل من القيادة والحكومة في سوريا، انطلاقاً من كونها دول تحترم سيادة الدول الأخرى وحقها في تقرير مصيرها وتقف إلى جانب قضاياها العادلة. وبناء عليه تقدمت العلاقات السياسية بين سوريا وهذه الدول على العلاقات الاقتصادية حيث أن هذه الأخيرة تحكمها المصالح بشكل مطلق.
ومع ذلك فقد عملت سوريا على تعزيز منظومتها الاقتصادية مع مجموعة من الدول الصديقة في الجانبين التجاري والاستثماري، ففي الجانب التجاري العمل مستمر على تطوير الإجراءات الإدارية والجمركية واللوجستية المرتبطة بالاستيراد والتصدير، وفي الجانب الاستثماري فقد تم إنجاز العديد من المشاريع في سوريا بالتعاون إما مع حكومات هذه الدول أو مع القطاع الخاص فيها ذو السمعة العالمية الجيدة وأيضا العمل مستمر لتنفيذ مجموعة من المشاريع الأخرى ذات الأولوية بالنسبة لسوريا.
وهنا لابد من الاعتراف بأننا لم نصل إلى مرحلة الرضى التام عن مستوى علاقتنا مع الدول الصديقة، في ظل وجود مجموعة من العوائق التي تحد من إمكانية الارتقاء بها إلى المستوى المنشود، بعضها يتعلق بالسياسات التجارية لكل دولة والقيود التي تفرضها على حركة التجارة فيها، وبعضها يرتبط بعوائق النقل وبعد المسافة بينها وبين سوريا، ونشير في هذا الإطار إلى كل من فنزويلا وجنوب أفريقيا على سبيل المثال لا الحصر، وبعضها الآخر يتعلق بالتركيبة الداخلية لاقتصاديات هذه الدول، إذ علينا أن لا ننسى بأن مجموعة كبيرة منها عانت من مشاكل اقتصادية وسياسية وبالتالي اجتماعية وفرضت عليها ضغوطا وعقوبات في مراحل مختلفة من تاريخها ولاسيما الحديث، مما أثر على تطورها وتقدمها وبالتالي علاقاتها الاقتصادية الخارجية.
وفي ذات السياق فقد كان للأزمة التي تمر بها سوريا والتدابير القسرية أو العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها أو على الدول والشركات التي تتعامل معها في بعض المجالات تأثيرا سلبياً على علاقاتها الاقتصادية، وفي هذا الإطار نؤكد على أن هذه العقوبات والتدابير القسرية تتنافى مع المبادئ الأساسية للنظام التجاري المتعدد الأطراف والذي يقوم على إدماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي.
إذاً، فإن المحدد المرتبط بتطوير العلاقات مع الدول الصديقة لسوريا والمتعلق بالجانب السياسي موجود وبقوة، بينما المحدد المرتبط بالجانب الاقتصادي وتعزيزه تحكمه مجموعة من العوائق التي يجب العمل على إزالتها بتضافر جهود جميع الأطراف.
4- كيف تقيّم الواقع الاقتصادي في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب وهل يناسب الوضع المعيشي للمواطنين؟
ميالة: إن الحرب الوجودية التي اختبرتها سوريا على مدى السنوات السابقة انعكست بشكل سلبي على كافة المستويات وكان لها أثر مباشر على الوضع المعيشي للمواطن، إلا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وسياسات بعض الدول العدائية والتدابير القسرية أحادية الجانب ساهمت في تفاقم وتردي الحالة الاقتصادية، حيث أدت إلى تقييد العمليات التجارية والتأمينية، ونتج عنها نقص في توفر بعض أنواع الأدوية والسلع الأساسية اللازمة لحياة المواطنين، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف نقل السلع والمواد وبالتالي زيادة تكاليف استيرادها وزيادة أسعارها، الأمر الذي أضر بالاقتصاد بصورة خطيرة وفاقم معاناة المواطنين وعلى جميع المستويات الصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية، وزاد من سوء أوضاع أغلب فئات المجتمع ولاسيما الفقيرة والمهجرة مع تزايد معدل البطالة وتراجع سعر صرف الليرة السورية وزيادة عمليات الاحتكار وارتفاع الأسعار.
إن هدف السياسية الاقتصادية للحكومة كانت ومازالت موجهة نحو التخفيف من أثر هذه الأضرار المباشرة وغير المباشرة على حياة المواطنين بما يخدم تحسين الوضع المعيشي وإيجاد فرص عمل إضافية أو جديدة وتعزيز موارد الدولة لتحقيق معدلات نمو حقيقية ومستدامة، وتسعى على المدى الطويل لوضع الخطط والبرامج اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار نحو اقتصاد تنموي إنتاجي.
5- هل أنتم مقبلين على مستقبل يعطي المناطق الريفية حصتها من الانتعاش والدعم؟
ميالة: تولي الحكومة السورية الأهمية الكبرى لتنمية المشروعات الريفية التي تعزز تنمية المجتمعات الريفية، وتمكن المرأة الريفية وتحسن الوضع المعيشي للأسر الأشد فقراً، وهي الفئات الأكثر تضرراً خلال فترة الخمس سنوات من الحرب الوجودية على سوريا.
في هذا الإطار، وعلى الرغم من محدودية الموارد المتاحة، إلا أن الحكومة تسعى وستبقى تسعى جاهدة إلى إدارة هذه الموارد بوسائل وأدوات مختلفة ومبتكرة تعكس جديتها في إدارة وتنفيذ هذا الهدف عبر التوسع في برامج ومشاريع التنمية الريفية الإنتاجية وتقديم الدعم المالي أو الفني للتأسيس للمشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، بما يحقق إعادة تدوير العجلة الإنتاجية في المجالين الزراعي والصناعي اللذين يعتبران قاطرة النمو في الاقتصاد الوطني السوري باتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
وقد باشرت الحكومة الجديدة بإطلاق عدة مبادرات تنموية موجهة لاستهداف الأسر الريفية، منها مشروع الزراعات الأسرية لاستهداف 5 آلاف أسرة سنوياً وتقديم مستلزمات الزراعة المنزلية التي تحقق لها الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، وكذلك تمكنها من تأمين مصدر دخل إضافي من خلال بيع الفائض من المنتجات والمشاريع وبرامج وإجراءات أخرى تستهدف مربي الثروة الحيوانية لتأمين مستلزمات إنتاجه والنهوض بهذا القطاع.
في هذا الإطار، فإن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تعمل على دراسة سبل تفعيل عمل كل من هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهيئة تنمية ودعم الإنتاج المحلي والصادرات بعد صدور قانوني إحداثهما مع بداية العام 2016، لتقومان بدورهما الجديد في دعم وحماية الإنتاج الوطني وتأمين التمويل ومحفزات الإنتاج المادية أو الفنية اللازمة لتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأن تلعب دورها الفعال في المساهمة في عملية التنمية.
أجرى الحوار: فداء شاهين