يتبادل المسلمون التبريكات بمناسبة العيد هذا العام والألم مازال يعتصر قلوبهم، على وقع الأزمات الدموية التي تعصف بالعديد من البلدان الإسلامية، وارتفاع منسوب الخطاب الطائفي، الذي وصل على أبواب الحج هذا العام إلى تراشق عنيف على المستوى الرسمي بين بعض الدول.
وفي يوم الوقوف على صعيد عرفة، الذي يعد أفضل أيام السنة عند المسلمين، وأهم ركن من أركان أداء فريضة الحج، ما أحوج المسلمين إلى الدعاء، والعمل سوياً، من أجل وقف شلالات الدماء في سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان، ونبذ ما يفرق صف المسلمين، ويسيء للعقيدة الإسلامية ويشوه صورة المسلمين، بالابتعاد عن الانقسامات الطائفية والمذهبية، ومكافحة كل أنواع التطرف والعنف الأعمى، كي تعود للعيد معانيه السامية، وتعود للأطفال والكبار فرحتهم بقدومه.
يحزن الآباء والأمهات، في البلاد التي تعصف بها الحروب والأزمات، على رؤية أبنائهم الصغار وقد استوطن الحزن عيونهم، فهم لم يعودوا يحلمون بهدايا العيد، بل بتوقف مدافع الحرب، والتمتع بلحظات هدوء لالتقاط الأنفاس، وحلمهم الوحيد، كباراً وصغاراً، أن تنزاح الحرب عن كاهلهم، وأن تشرق شمس صباح لا يكون فيه موت ودمار.
كثيرون يعتصر الوجع قلوبهم لأنهم لا يستطيعون أن يروا أهلهم وأقاربهم لإلقاء تحية العيد عليهم، وكثيرون أيضاً فضلوا الهروب من التهنئة مباشرة نحو كتابة تهنئة خجولة على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بأن فرحة العيد قد سرقت منهم، ولن تعود إلا عندما تذهب الحرب إلى غير رجعة، وتعود الألفة والمحبة للقلوب، عندها يستطيع الناس تضميد جراحهم التي أثخنهم بها آلات القتل الدموية، بإزهاقها لأرواح الآباء والأشقاء والأبناء والأصدقاء والجيران، وتدميرها لمرابع الطفولة والشباب.
مما يضاعف من أحزان المسلمين، في عيد الفطر الماضي انقسم المسلمون على موعد حلول العيد، فدور الإفتاء في أوروبا وتركيا أعلنت أن أول أيام العيد يوم الثلاثاء، بينما اعتبرت دور الإفتاء في باقي الدول الإسلامية يوم الثلاثاء اليوم المتمم لشهر رمضان، وبرزت مظاهر غير مسبوقة من الانقسام في أداء صلاة العيد في أوروبا، وأقيمت صلاة العيد في بعض المدن الأوروبية صباح يوم الثلاثاء، ودعا أئمة مساجد في بعض المدن الأخرى لصلاة العيد صباح يوم الأربعاء، مما ترك غصة في قلوب المسلمين في البلدان الأوروبية بعدم تمكنهم من أداء شعائر عيد الفطر في شكل موحد، وجعل الكثيرين منهم يبدون عدم رضاهم عما وقع، وانزعاجهم من تفرق المسلمين حتى في الأعياد الدينية، التي يفترض أن تكون جامعة وموحدة لهم، كما في السابق.
ومرّة ثانية تزداد أحزان المسلمين على أبواب العيد، بتراشق التصريحات العدائية بين مسؤولين رسميين إيرانيين وسعوديين ومراجع دينية عليا في البلدين، وصلت بعض التصريحات إلى حد تبادل اتهامات التكفير، وسجل غياب الحجاج الإيرانيين عن مناسك الحج بفتوى إيرانية، وجرى تسيس القضية في شكل يسيء إلى المعاني الدينية الكبيرة للحج وحرمة أيام أداء مناسكه، التي تملي أن تكون فوق أي خلافات طائفية أو مذهبية.
واقع مؤسف نتمنى أن يتغلب المسلمون عليه، وأن يتجاوزوا الآثار السلبية المدمرة التي ترتبت عليه، بالانطلاق أولاً من التصالح مع الذات، ومواصلة بناء جسور التواصل الإنساني مع الآخر، بما يعكس حقيقة وجوهر العقيدة الإسلامية القائمة على المحبة والتسامح بين كل أبناء البشرية. وفي يوم الوقوف على عرفة لا يسعنا إلا أن نضم دعاءنا إلى جانب الدعاء الذي تلهج به قلوب مئات الملايين من أجل السلام بين المسلمين وبين كل شعوب العالم.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)