نعم الصراع صراع تصفية الحسابات، ولكن لابد هنا من أن نعي أن من يتعامل مع القضايا الحالية على هذا الأساس هي الولايات المتحدة وحلفائها، لأنهم يحققون الربح الكبير بالدرجة الأولى بالتوازي مع سيعهم لتنفيذ المخطط المرسوم، يحققون أرباحاً طائلة من استثمار الإرهاب، ونقصد بالطائلة هنا من الناحية الاقتصادية والريعية لمشاريعهم القادمة والمرسومة إلى مابعد ما يجري حالياً، وأما الأرباح الأخرى جراء تطبيق المخطط فهي نسبية، وتختلف من ملف إلى آخر، ونقصد بالتحديد هنا المشاريع السياسية والجيوساسية وملحقاتها، وهذه السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة على عكس السياسة التي تتبعها روسيا وحلفائها، الذين يعتبرون أنفسهم الآن بين خطي نار، فخط النار الأول هو خط مواجهة الإرهاب العالمي الذي بات خطراً على الأمن والسلم العالميين، والخط الثاني المواجهة السياسية والدبلوماسية وكل ما يرتبط بها من مصائد ومكائد تكون في بعض الأحيان أخطر وأشد وطأة على الدول من الإرهاب المسلح بعينه، ومن هنا نرى أن أولوية كل طرف واضحة تماما من خلال السلوكيات وطريقة التعامل مع الأحداث الراهنة بغض النظر عن الصح والخطاً في سلوك هذا الطرف أو ذاك.
لم يقدروا على حصر روسيا في الزاوية أو إجبارها على أي تنازل في أي قضية من القضايا العالقة، نعم لقد استطاع الرئيس بوتين أن يشبك هذه الدول حتى المتناحرة فيما بينها بشكل عنكبوتي يستحيل على أحد منهم أن يخلق أي نزاع حقيقي يصل إلى درجة المواجهة، أو حتى قطع العلاقات، فعقد الصفقات وتوقيع العقود والاتفاقات وتوقيع المعاهدات وخلق مشاريع جديدة في شتى المجالات وصولاً إلى مد خطوط الغاز والطاقة والنفط وخطوط الجمارك الخضراء وخلق شبكة تواصل ومصالح ملونة بكافة الألوان لايمكن أن يحدث أي خلل في أي مرتكز من مرتكزاتها أو مفصل من مفاصلها، ولو حصل فسوف يقوم الجميع قومة الرجل الواحد لمحاسبة هذا الطرف، سواء قام بهذا الخلل من جراء نفسه ولغاية خاصة به أو كان بطلب من العم سام أو غير سام، لأنه لايمكن بعد الذي جرى من النتائج الكارثية التي حصلت في بعض دول الشرق الأوسط أن يسمح أحد ما بتكرار حدوث ذلك في بلده ولو كان من المشاركين في نسج ماجرى ويجري، وبالمقابل لايسمح له أي طرف من أطراف هذه الشبكة أن يتسبب في داخل بلاده بمثل ذلك لان الجسد الذي تم بناؤه على شكل يشبه تركيبة الإنسان المتناقضة فيما بينها يجعله في مأزق في حال تأذى أو بتر منه أي عضو من أعضائه فيقتل إن لم يصب بالشلل.
أوليست هذه عبقرية العصر المفقودة أمام الغطرسة والجشع والطمع وحب السيطرة على العالم والتحكم به الذي يعتبر عقيدة ذاك الحلف الغربي الشرقي المشترك؟
بهذه الحالة خدم الرئيس بوتين كل هذه الدول بمافيها الصديقة وغير الصديقة، الحليفة والمعادية، ولكن بماهو يتطابق مع القوانين والشرائع الدولية في تقسيم الحصص والثروات في هذا العالم، دون أن يحتكرها طرف واحد يستثمر بالدمار والخراب كل مايريده، نعم هذه نقلة نوعية جديدة لروسيا وحلفائها في طريق سحق العالم الأحادي القطب نحو عالم متعدد الأقطاب، وليس فقط بل عالم متشابك متشارك كل طرف فيه يسعى إلى تحقيق التوازن لانه بانهيار منظومة واحدة منه حتما لن يكون هناك خيارا آخرا سوى الذهاب نحو الانهيار أو إلى حرب كارثية لن يستفيق منها العالم إلا بعد قرون طويلة. وهذا ليس في مصلحة أحد، وهكذا تعطى الفرصة للجميع بأن يكفي ماء وجهه ويخرج الجميع في معادلة أن لا منتصر في هذه الحرب غير المعلنة ولو أنها قائمة في حقيقة الأمر.
الرئيس بوتين بعمله البناء هذا لم يترك مجالاً أمام أحد للحرب، وفي الوقت الذي تجري فيه المصالحات الوطنية على قدم وساق في سورية، تجري مصالحات المصالح الإقليمية والدولية، وفي الوقت الذي ينهار فيه نظام عالم القطب الواحد، يتم التحضير للقاء عالمي صوري في جنيف، نتيجته لقاء سوري سوري على أرض دمشق وما خفي أعظم وخاصة في مايخص تسويات ملف القضية الفلسطينية القادم.
وهنا لابد من القول أنه بالتوازي مع السياسة الروسية الذكية والخارقة للمشاريع والعابرة للفضاءات والحدود يعود الفضل الأول من بعد الله سبحانه وتعالى للجيش العربي السوري وحلفائه الذين صمدوا صموداً إسطوريا تكسرت على صخرته كل عناوين مشروع الإسلام السياسي وذهب إلى غير رجعة على الأقل خلال المئة عام القادمة وتاتي هذه النتيجة حتمية في عالم بات يترنح على طرف الهاوية.
وفي الختام، ببساطة، الحرب على منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد على سورية جاءت بكل ماكانت تتخوف منه دول الغرب وحلفاؤها وعلى رأسها الولايات المتحدة التي فشلت في حربها الاستباقية فشلاً ذريعاً، ولو تركوا سورية كما كانت لكان الأمر أسلم لهم بكثير مما وقعوا فيه.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)