خيمت على قمة الاتحاد الأوروبي الـ27، في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، حالة الارتباك التي تسبب بها خروج بريطانيا من الاتحاد، والخلافات بين دوله على أولويات العمل المشترك، وكيفية معالجة القضايا الملحة، ووضع "خريطة طريق" لحل تلك القضايا من خلال قرارات عملية، وإخراج الاتحاد من "الوضع الحرج"، على حد وصف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.
"أولويات واضحة تحاكي تطلعات الأوروبيين" و"ما ينبغي الخروج به من القمة هو التصميم"، شعاران عريضان أطلقهما الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ختام قمة براتيسلافا، وبدورها تعهدت ميركل بأن "فرنسا وألمانيا ستقومان بدورهما في شكل مكثف جداً في الأشهر المقبلة لجعل كل ذلك نجاحاً"، غير أن ذلك لم يبدد أجواء التشاؤم التي سبقت انعقاد القمة، واختصرها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في كلمة أمام النواب الأوروبيين الأربعاء الماضي بالقول: "لم أرَ سابقاً مثل هذا التشرذم وهذا الضعف في التقارب داخل أمتنا".
أبرز النقاط في قائمة الأولويات التي ناقشها الأوروبيون في قمة براتيسلافا، وحددوها كخطوط رئيسية لـ"خريطة الطريق" لانتشال الاتحاد الأوروبي من أزمته، اشتملت على سبعة عناصر أساسية هي: "حل الخلافات بين دول الاتحاد، واحتواء الآثار السلبية التي ترتبت على خروج بريطانيا من صفوف الاتحاد، وتعزيز القدرات الدفاعية للاتحاد وحماية أمن حدوده الخارجية، ووضع خطط مشتركة لمواجهة مشكلة تدفق اللاجئين إلى إيطاليا واليونان وتبني سياسة لجوء موحدة، ومكافحة الإرهاب، وإعادة تنظيم قوانين الهجرة الداخلية والعمالة بين دول الاتحاد، والتفكير في سبل الحد من الآثار السلبية للعولمة".
بمراجعة سريعة لهذه النقاط السبع، على ضوء مداولات القمة ونتائجها، يبدو أن التوصل إلى نتائج عملية صعب المنال. في الموضوع الأكثر سخونة من وجهة العديد من دول الاتحاد، وصف رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، قمة براتيسلافا بالفشل، وأضاف في تصريح له بعد انتهاء أعمال القمة إن "القمة لم تكن ناجحة، إذ لم تستطع أن تغير سياسة بروكسل بشأن الهجرة"، بينما رأى رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، أن "التقدم المحرز في القمة قليل جداً"، محذراً من أنه "دون تغيير السياسة إزاء الاقتصاد والهجرة، فإن أوروبا ستواجه أخطاراً كثيرة". وثمة خشية من أن يتحول ملف الهجرة إلى عامل انقسام في صفوف الاتحاد، حيث مازالت دول "مجموعة فايسغارد" (بولونيا والمجر وسلوفاكيا، وتشيكيا) ترفض العمل بخطة الحصص الإجبارية في توزيع اللاجئين، بينما تصر الدول الغربية على تطبيق الخطة. ويشار هنا إلى دعوة وزير خارجية لوكسمبورغ، جان اسلبورن، إلى طرد المجر من الاتحاد بحجة "انتهاكها للقيم الأساسية للاتحاد، لاسيما ما يتعلق بقضايا اللاجئين واستقلال القضاء وحرية الصحافة".
كما أخفقت قمة براتيسلافا في تهدئة المخاوف من موجة التشاؤم بتكرار حدوث استفتاءات، على غرار الاستفتاء في بريطانيا، للخروج من صفوف الاتحاد الأوروبي. فما زال الاتحاد الأوروبي بعيداً عن استعادة الثقة بين دوله، وحل التناقضات المؤسساتية داخله، حيث تشتكي دول "مجموعة فايسغارد" من هيمنة الدول الكبرى على الاتحاد، والمقصود هنا بالتحديد هيمنة ألمانيا وفرنسا.
نقطة أخيرة تجدر الإشارة إليها، شكوى الرئيس الفرنسي من أن بلاده "تبذل الجهد الأساسي في مجال الدفاع الأوروبي، لكنها لا تستطيع أن تنفذ ذلك وحدها"، وكان لافتاً تحذيره المبطن من احتمال أن تختار الولايات المتحدة النأي بنفسها في هذا المجال، وبأنه في حال ذهبت واشنطن في هذا الاتجاه "يجب على أوروبا أن تملك قدرة الدفاع عن نفسها"، ومن المشكوك فيه أن تلاقي شكوى الرئيس الفرنسي تجاوباً على الأرض لدى دول الاتحاد، التي يضع العديد منها أولويات تعد بالنسبة له أكثر أهمية من الإنفاق على منظومة عسكرية أوروبية مشتركة.
ستة أشهر فقط تفصل القادة الأوروبيين عن قمتهم القادمة المقررة في روما، في آذار/مارس المقبل، بمناسبة الذكرى الستين للمعاهدة الأوروبية، سيسبقها لقاء لهم في مالطا في كانون الأول/يناير، ويفترض أن تصدر عن القمة قرارات مهمة بشأن الأولويات التي نوقشت في قمة براتيسلافا، وليس من قبيل المبالغة القول إن قمة روما ستحدد مصير الاتحاد الأوروبي، وسط توقعات غير مشجعة على إمكانية نجاحه، خلال هذه المدة القصيرة، في تجاوز خلافاته وصياغة "خريطة جديدة" لأوروبا.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)