وبالمثل، نجح تنظيم "داعش" الإرهابي في تحقيق الهدف الأمريكي، حيث نشط في العراق وتمكن من الاستيلاء على مساحات من الأراضي العراقية ووضع بداية خط التقسيم الطائفي، من خلال محاربة الدولة، التي وصفها بأنها "شيعية"، وفي الوقت نفسه ظل وسيلة ضغط حقيقية يمكن أن تستغلها أمريكا ضد النظام العراقي في أي لحظة.
كما صار التنظيم نفسه فيما بعد الحجة التي مكنت الولايات المتحدة من وضع قدم لها في سوريا، بل وجمع فرقاء سياسيين ودوليين تحت لواء واحد، أطلق عليه اسم "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، تستغله الأن لضرب أي أهداف تريدها في سوريا، لولا وجود رقيب قوي وحليف يمكن الاعتماد عليه، وهو روسيا، في قلب المعادلة.
وفي سبيل تحقيق أهدافها، تحاول أمريكا أن تخضع لسيطرتها كافة الفصائل المعارضة للأنظمة القائمة، حتى وإن كانت على وشك الزوال، وحسب محمود إسماعيل بدر، النائب في البرلمان المصري، ومؤسس حركة "تمرد"، فإن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، طلب لقائه باعتباره مسؤول عن حركة "تمرد"، التي حركت الشارع ضد حكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي.
في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وضعت المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" خطة باسم "سايكلون"، مولتها بالمال والسلاح، لدعم "أحمد شاه مسعود" في أفغانستان، لتشكيل جماعة من المقاتلين، لبدء حرب ضد الاتحاد السوفييتي وقتها، تشبه الحرب الفيتنامية التي أسقطت أمريكا في فيتنام، ورصدت المخابرات الأمريكية 30 مليون دولار كدعم سنوي للجماعة، التي وصل تمويلها في ذروته إلى ما يقارب 630 مليون دولار، عام 1987.
ولأن التمويل الأمريكي أتاح للمتطرف الأفغاني وقتها أن ينفق بسخاء على رواتب المقاتلين والمرتزقة معه، تمكن من جمع آلاف من العرب والأجانب من كل أنحاء العالم، للقتال في أفغانستان تحت ستار "الجهاد" مقابل الدولارات، ولكن بعض من جاؤوه لم يكونوا في حاجة إلى هذه الدولارات، وتصوروا أنهم ينفذون تعاليم سماوية وليس خطة مخابراتية أمريكية، ومن بين هؤلاء كان أسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة".
استمر القتال سنوات طويلة، خرجت بعدها روسيا من أفغانستان، وبقي الجهاديون، يشكلون خلايا عنقودية، تنفصل إحداها لتذهب إلى دولة ما، وهناك تنقسم إلى خلايا جديدة، كما لو كان سرطاناً ينهش في جسد العالم…وبينما كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتصور أنها وضعت المولود الجديد "تنظيم القاعدة" في حضانتها، كان هذا المولود ينمو ويكبر، ليصحو العالم على ضربات 11 سبتمبر/ أيلول، التي نفذها التنظيم، وأسقطت الآلاف، وخسرت أمريكا المليارات، وبدأت حربها الجديدة بالسلاح ضد الجزء الشرقي من العالم.
الآن يتكرر السيناريو نفسه، ويدفع الأمريكان ثمن دعمهم لتنظيم "داعش" الإرهابي، وهو الدعم الذي اعترفت به وزيرة خارجية أوباما، هيلاري كلينتون، المرشحة الحالية لرئاسة الولايات المتحدة، في كتاب أصدرته عام 2014، بقولها إن "داعش" صنيعة أمريكا، وأكدت اعترافها مرة أخرى بحديثها في مارس/ آذار الماضي، عن توصل بلادها لضرورة القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، بعدما كانت تسعى لاحتوائه.
الآن يموت الأمريكيون، بأيدي الأبناء غير الشرعيين لإداراتهم الداعمة للإرهاب والإرهابيين في الشرق الأوسط، فنجد تنظيم "داعش" الإرهابي يتبنى الهجوم بالسلاح الأبيض على مركز للتسوق بولاية مينيسوتا الأمريكية، أصيب خلاله ثمانية أشخاص بجروح نتيجة طعنهم بسكين، وبعدها بساعات يقع انفجار في ولاية نيوجيرسي بالقرب من محطة للقطارات، حيث تم العثور على عبوة مثيرة للريبة في وقت سابق، وحسب وسائل الإعلام المحلية، حدث الانفجار أثناء فحص محتوى الحقيبة بالأجهزة الخاصة في محطة القطار.
وحسب عضو ائتلاف الغد التقدمي والباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أحمد حجاب، فإن الولايات المتحدة لن تتوقف عن هذه اللعبة، فهي تزرع كيانات وخلايا سرطانية في جسد أي دولة أو منطقة تريد تفتيتها، مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، كما أنها تستدعي وكلائها لدعم هذه التنظيمات، كي لا تبقى بلا غطاء.
وأضاف حجاب، في حديث أجريته معه عبر الهاتف "لو تذكر الفيديو الشنيع الذي بثته جماعة نور الدين زنكي الإرهابية — التي تدعي أنها من المعارضة المعتدلة- خلال قطع أحد مقاتليها لرأس طفل فلسطيني لم يبلغ الثانية عشر من عمره، وبعدها خرج الأمريكان يقولون إذا كان الفيديو حقيقياً فسنراجع دعمنا لهذه الجماعة، هذا الأمر يكشف كثير من الأمور، أولها أن أمريكا تدعم الإرهابيين بشكل مباشر، باعتبارهم جماعات معتدلة، والأخطر أنه يكشف أن هؤلاء يتصرفون بطرق تحرج أمريكا، أي أنهم ليسوا تحت تصرفها أو سيطرتها بشكل كامل".
الحادثان الأخيران في أمريكا، يبعثان في الأذهان تفاصيل حادث أخر، وقع في 12 يونيو/ حزيران 2016، أسفر عن مقتل 50 شخصا، وإصابة 53 آخرين، ونفذه مسلح على ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو التابعة لولاية فلوريدا، واعتبره عمدة فلوريدا حادثاً إرهابياً، ووصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه أسوأ حادث إطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة.
السيناريو نفسه، يحدث على نطاق أكبر وأكثر اتساعاً، مع بعض الدول التي ساهمت في حروب أمريكا ضد الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، ففرنسا، التي ألقت بجنودها ومالها وخبراتها في آتون حرب العراق، جنت ما زرعته بتفجيرات، كان أبطالها أشخاص هربوا من جحيم الحرب العراقية وأجوارها بعد سنوات من هذه الحرب، وهو نفس ما يحدث في دول أخرى تدفع الثمن، ليست أخرها باريس ولا بروكسيل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)