حظيت زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى العاصمة الكوبية هافانا، وهي الأرفع مستوى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، باهتمام وتغطية واسعة في وسائل الإعلام العالمية، وكان لقاء آبي مع الزعيم التاريخي للثورة الكوبية والرئيس الكوبي السابق، فيدل كاسترو، في قلب هذا الحدث وخطف الأضواء، رغم أنه لم يكن له طابع رسمي، فالصورة التي جمعت فيدل كاسترو وآبي حملت رمزية كبيرة، حيث جلس آبي يصغي باهتمام كبير لنصيحة كاسترو حول الطريقة الأمثل لتسوية الخلافات بين كوريا الشمالية وجيرانها حول برنامجيها النووي والصاروخي.
الناطق باسم الخارجية اليابانية، ياسوهيسا كاوامورا، قال للصحافيين بعد انتهاء اللقاء الذي استغرق أكثر من ساعة، "فيدل كاسترو أبلغ آبي أن مسألة برنامج كوريا الشمالية النووي يجب حلها سلمياً من خلال الحوار". الرسالة التي أراد أن يوصلها الزعيم التاريخي للثورة الكوبية لضيفه هي: ابتعدوا عن السياسات الأميركية الهادفة إلى إثارة التوتر بين كوريا الشمالية ودول الجوار، من خلال عمليات استعراض القوة التي قامت بها طائرات حربية أميركية بالتحليق فوق أجواء كوريا الجنوبية.
ولعل آبي أراد من زيارته لكوبها، وطلبه مساعدة فيدل كاسترو والحكومة الكوبية، بخصوص البرنامج النووي والصاروخي الكوري الشمالي، إرسال رسالة غير مباشرة لواشنطن، مفادها أن طوكيو ليست مع التوجهات الأميركية التي من شأنها تعريض أمن واستقرار منطقة شرق آسيا للخطر، وأنها تفضل الحوار مع جارتها كوريا الشمالية، وتدعو إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهذا يحتاج إلى معالجات مسؤولة وبناءة من قبل كوريا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية على حد سواء، وتستطيع كوبا أن تساعد على جلوس ممثلين عن الدول الثلاث على طاولة الحوار، وبالتأكيد يمكن لكوبا واليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية الاعتماد على ثقل روسيا الاتحادية والصين الداعمتين للحوار، واللتين تربطهما علاقات وثيقة مع كوبا وأواصر صداقة وتعاون مع الكوريتين واليابان.
وفي رمزية الصورة أيضاً إقرار ياباني بعدم جدوى الاستمرار بالدوران في فلك عجلة السياسات الخارجية الأميركية، وأن اضطرار واشنطن للانفتاح على هافانا، بعد عقود من الحصار الاقتصادي والتجاري على كوبا والقطيعة السياسية معها منذ عام 1960، دليل حي على فشل وصفات الحصار الأميركية، وستضطر الولايات المتحدة في النهاية إلى إزالة الحصار عن كوبا نهائياً، لأنها لا يمكنها العودة إلى "سياسة فشلت"، على حد وصف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الرئاسية عن الحزب "الديمقراطي" هيلاري كلينتون.
وأخذاً بالمثل الشعبي العربي: "من يجرب المجرب عقله مخرب"، من الحكمة بمكان أن يحسم شينزو آبي توجهه بالابتعاد عن سياسات التوتير الأميركي في منطقة شرق آسيا، وأن يأخذ بنصيحة الزعيم التاريخي للثورة الكوبية فيدل كاسترو، بأن يكون الحوار السبيل الوحيد لحل الخلافات بين كوريا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية، حتى وإن استغرق الحوار وقتاً طويلاً للوصول إلى تسوية، مع التشديد على إبداء حسن النوايا من قبل الأطراف المعنية سيخلق أجواء إيجابية تضفي على الحوار ما يلزم من سلاسة ومرونة وتجعله منتجاً بسرعة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)