وقد تعدى هذا التصعيد كل الحدود حتى وصل إلى تهديد مباشر في ستخدام القوة في سورية لإسقاط الحكومة السورية، وتشكيل دولة جديدة على المقاس الذي أرادته، كما جاء على لسان الرئيس الأسد نفسه. وبطبيعة الحال وبغض النظر عن أن هذه السلوك مخالف للشرائع والقوانين الدولية، يأتي أيضا كرسائل موجهة إلى روسيا التي تعد السند الأساس والجدار الحديدي الأول الذي منع سورية من السقوط تحت وصاية الولايات المتحدة والإرهاب المدعوم من قبلها بالتنسيق والتعاون مع بعض الدول الإقليمية.
ويعيش العالم هذه الأيام لحظات حاسمة تزداد فيها التكهنات يوماً بعد يوم حول ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، وإلى أي مدى هي جدية في طرحه وتنفيذه، وحول الموقف الذي يمكن أن تتخذه روسيا حيال ذلك.
هذا من جانب، ومن جانب آخر عبر الرئيس بشار الأسد خلال حديثه في مقابلة أجرتها معه فصلية "طهران لدراسات السياسة الخارجية"، عبر عن عدم القدرة على إرغام سورية على الإذعان لما يطلبه الطرف الأمريكي، حيث وجه رسائل قوية للأمريكيين وحلفائهم، وتحدث بالتفصيل عن أصل الأزمات في العالم وليس في سورية وحدها، التي تفتعلها أمريكا لخدمة مصالحها وفق سياسية المعايير المزدوجة وحتى أكثر من مزدوجة، وأكد الأسد أن سورية ستتابع الحرب على الإرهاب والدفاع عن سيادتها حتى النهاية.
ومن هنا نرى أن الأمريكي بعد تهديداته التي يتوقع الكثير من الخبراء أنها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع في ظل الظروف الحالية، قد وقع في الفخ، بين سندان الصمود السوري في ظل دعم روسي مفتوح وبين مطرقة تحذيرات القيادة الروسية التي سبقها الفعل في إظهار التحدي.
تستمر المواجهات الدبلوماسية على جميع الجبهات حتى وصلت وفق المنظور إلى حد التشابك المباشر في أي لحظة. ومع ذلك فإن تقديرات الأوضاع بشكل عام لا تظهر أي نية حقيقية من الطرفين نحو الدخول في مواجهة على الأرض السورية لأسباب كثيرة جداً مخاطرها جمة على الطرفين. ولا يمكن أن يتحمل تبعاتها أي من الأطراف، وهي أخطر على السلم والأمن العالميين أكثر من أي وقت مضى. لذا نرى أن روسيا تحاول قدر الإمكان استعياب الخلاعة والجنون الأمريكي في طريقة التعامل مع التطورات الراهنة، وتكتفي بإظهار نيتها وعزمها وقدرتها بالدرجة الأولى على التصدي لأي مبادرة جنونية من قبل الكاوبوي الأمريكي، الذي أصم أذنيه عن كل الجمهور متحسراً على استمرار خسارته في رهانه على كل ثيرانه.
لذا وبالمنطلق المركزي لكل مجريات هذه الأحداث ستستمر روسيا في صبرها على جنون الكاوبوي حتى ينزل عن ثوره أو يرميه الثور في نهاية المطاف، ولا خوف بعدها من أي نتيجة لأن روسيا ستتعامل باحترام النفس والمجتمع الدولي، وستذهب في نفس الطريق الذي سارت فيه للدفاع عن سورية والعالم أمام الإرهاب الذي فقد كل أرصدته ومشاريعه بسبب السياسة الرعناء والعوجاء للسيد الأمريكي الذي ظن نفسه في ثلاثنيات القرن الماضي وأربعينياته.
الآن الكل قال كلمته، الأمريكي هدد بشكل واضح دون أن يتخذ أي إجراءات فعلية، الروسي حذر من مغبة الذهاب في هذا الاتجاه، والسوري قال كلمة الفصل على لسان الرئيس الأسد أن سورية ذاهبة حتى النهاية في المواجهة.
إذاً مستقبل الأوضاع مرهون بتعقل الكاوبوي أو سقوطه على نفسه لأنه الوحيد الذي ينط ولا يحط ويتغير ويتلون كل يوم بغير لون كالحرباء، فلا هو استطاع أن يغيب نفسه من الوقوف أمام قفص الاتهام المدعوم بالدلائل القاطعة على ضلوعه المباشر في كل ما يجري من تدمير للدول والشعوب لأجل حفنة من المال، ولأجل السيطرة والتحكم، ولا هو قادر على الاعتراف.
ومن هنا يترتب على الولايات المتحدة أن تستر عورتها بما تبقى من أوراق الخريف قبل أن تتعفن على أرض حرارتها تفوق حرارة حبها للسطوة والسيطرة على العالم، وهذه الحرب العالمية الثالثة غير المعلنة قد تكون شارفت على النهاية، ونتيجتها الحتمية، أو المفروضة للحفاظ على العالم، أن لا منتصر فيها، ولكن ليس بشروط الولايات المتحدة كما تعتقد، وقادمات الأيام كفيلة بتظهير كل خفايا مايجري في حقيقة الأمر.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)