ويزداد المشهد السوري تعقيدا في ظل مجريات الأحداث الميدانية المتمثلة بالدعم الأمريكي والإقليمي المباشر والعلني للمجموعات الإرهابية المسلحة من جهة، وغض النظر عن استباحة الجغرافيا السورية من قبل تركيا من جهة ثانية، وفي ظل جمود وعجز دولي عن وضع حد لهذه التطورات الدراماتيكية على الساحة السورية، التي انتقلت إلى حرب سياسية دبلوماسية وإعلامية بين الطرفين الراعيين للحل السياسي في سورية وهما روسيا والولايات المتحدة لا يعلم إلا الله إلى ما قد تنتهي!.
انطلاقاً من هذا التأزم الحاصل بين موسكو وواشنطن على طرق التعامل مع الملف السوري، نرى أن الأوضاع المستقبلية للحالة السورية غير مطمئنة، وهذا ما صرح به الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في 27.09.2016 ، وهو العالم بخفايا الأمور إثر تفاقم التوتر الروسي الأمريكي، قائلا "لا آفاق للحلول السياسية…وتبقى الكلمة الفصل للميدان".
بدأ تطبيق قرار الهدنة بتاريخ 12.09.2016 والتزم بهذه الهدنة الطرفان الروسي والسوري ونفذا جميع شروط الهدنة، بينما من أصر على الهدنة وطالب بها من الطرف الأمريكي ومجموعاته المسلحة لم يلتزموا بها وسجلت 302 حالة خرق من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة.
يوم 18.09.2016 القيادة السورية تعلن إنتهاء الهدنة وفق الموعد المحدد لها لزاماً وتبدأ بعمليات جديدة ضد المجاميع الإرهابية في حلب تحديدا، بعد أن أعلنت الأركان العامة الروسية أن الإلتزام بالهدنة من طرف واحد (الجيش السوري) لا معنى له.
ثم قامت الولايات المتحدة بضرب موقع عسكري استراتيجي على تلة الثردة في دير الزور ذهب ضحيته العشرات من جنود وضباط الجيش السوري وحسب تسريبات لم يتم تأكيدها من أي طرف بينهم خمسة من كبار الضباط والخبراء الروس المتواجدين هناك.
لقد طالبت روسيا عدة مرات بنشر نص الإتفاق بين لافروف وكيري، لكن الولايات المتحدة ترفض ذلك، ولكن بعد تسريبات أمريكية لبعض نصوص الإتفاق عبر وسائل إعلام غربية ، نشرت روسيا نص الإتفاق بالكامل ، فخرج كيري يوم 27.09.2016 وهدد بوقف التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، ووفق ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس" "أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الاتصالات بين البلدين حول سوريا ستتوقف تماماً بحال لم توقف روسيا ونظام الأسد قصفهما على مدينة حلب".
من بعدها أطلق العنان لحرب التصريحات الدبلوماسية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها أن كيري وجه إنذاره بوقف الاتصالات حول سوريا في اتصال هاتفي مع لافروف، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي "نعبر عن القلق الشديد بسبب الهجمات التي تشنها روسيا ونظام الأسد على المستشفيات وإمدادات المياه والبنية التحتية لمدينة حلب".
وهنا تزداد حدة التخوف بالفعل من حدوث صدام روسي أمريكي مفاجئ على الأرض السورية، ما يمكن أن يكون الخطوة التي لارجعة فيها إلى الوراء ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه؟
فعندما يعلن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان أن ما يجري في سوريا يُزعجه قائلا: إن روسيا تعتبر "عدواً في عدد كامل من المجالات"، وأنها تتصرف "على نحو عدواني" في مجال السياسة الخارجية، وقال إن أشد ما يزعجه هو عدم تنفيذ الروس لإلتزاماتهم في الضغط على الدولة السورية.
فيرد عليه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف قائلا "إن الولايات المتحدة ماضية بإلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية مع روسيا، وذلك بوضعها الاتفاقات بين البلدين حول سوريا على المحك".
من ناحية أخرى قال ريابكوف إن أمريكا تريد تقييد دمشق عبر اتفاقيات بين موسكو وواشنطن وصرح لوكالة "نوفوستي": "الأمريكيون بعد أن نقضوا تعهداتهم في إطار الإتفاقات عدة مرات…بدأوا بتقديم الوضع وكأن الجانب السوري ونحن نتصرف بطريقة تهدد استمرار التعاون والعمل المشترك". وأضاف ريابكوف: "هذا يأتي في خط سير فرض النهج الانفرادي الذي لم يكن مقبولا لدينا أبدا".
هذه المناوشات الإعلامية والدبلوماسية على مثل هذا المستوى لا يمكن أن تنذر بقرب الوصول إلى توافق بين الطرفين الروسي والأمريكي، وبطبيعة الحال سيعقد المشهد السوري أكثر مما هو عليه الآن من تعقيد، زد على ذلك التهديدات الأمريكية الوقحة والمبطنة والمغلفة بغلاف شفاف يستطيع أي متابع أن يفهم منها تهديد روسيا بأن تنتقل ساحة الإرهاب إلى مدنها ومناطقها الداخلية.
فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، بشأن عمليات إرهابية محتملة في روسيا. وكان كيربي قد قال "إنه من الممكن أن تتوسع رقعة العمليات الإرهابية وتمتد من سوريا لتطال "مصالح روسيا ومدنها" في حال "رفضت روسيا التعاون مع الولايات المتحدة في سوريا".
فردت عليه المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا قائلة، بأنها تصريحات تحريضية، وخاطبت كيربي عبر موقع "فيسبوك": "ألا يبدو لكم أن الأقاويل حول "عمليات إرهابية في مدن روسية" و"فقدان طائرات" أشبه ما تكون بالإيعازات التي تشبه الأوامر؟" في تأكيد منها على أن تهديدات الولايات المتحدة بنقل ساحة الإرهاب إلى روسيا قد وصلت وأنه سيتم الرد عليها بما لا تتوقعه الولايات المتحدة ذاتها.
يمكن الاستمرار في الحديث والتفصيل لظواهر وخفايا هذه الحرب الدبلوماسية إلى ما لا نهاية، والشواهد لا تحصى، وهي موجودة ومتعارف عليها بين الدول، ولكن السياسة ليست فقط فن الممكن، وإنما فن الصبر العظيم، بالرغم من أن يتحدث طرف ما عكس ما يتمنى أن يفعله للطرف الآخر في هذا الموقف أو ذاك، وهذا ما ينطبق تماماً الآن على حالة الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، وواضح هنا تماماً مدى حدة وخسة الاستفزاز الأمريكي لروسيا، ولكن هل ستبقى روسيا في إطار الرد البلوماسي؟
أم أنه بالفعل تنذر هذه الأوضاع بمثل هذه السيناريوهات التي لا رجعة فيها عن المواجهة؟
وهل نسي الجميع مسألة الحل السياسي ؟
أم أن كل طرف يبحث عن طريقة لتنفيذ أجندته سواء أكانت السياسية أم الميدانية؟
وما هو الذي يترتب في هذه الظروف على الدولة السورية وعلى المعارضات في الداخل والخارج للإسهام في السير لجهة الحل السياسي ووقف أي سيناريو مرعب لا يمكن التكهن به ، وقطع الطريق على الوصول بالخلافات الأمريكية الروسية إلى طريق مسدود يطحن في نهايته سوريا بين الاستفزاز الأمريكي والرد الروسي؟
ولكن ومع ذلك لا يجوز أن نفقد الأمل في إيجاد سبل التوافق ومنع وقوع حرب شاملة تسعى الولايات المتحدة إلى افتعالها بقصد أو غير قصد بتهورها وغطرستها المعهودة، مع ذلك إنطلاقاً من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تفرض على الجميع التعامل بالعقل والحكمة لمنع الذهاب إلى الهاوية والوقوف على شفى حفرة لا مجال للرقص عليها.
فهل تعلن نهاية الحرب العالمية الثالثة؟ التي شاءت الأقدار أن تكون على الأرض السورية، في وقت لا يريد أحد الاعتراف بقيامها حتى اللحظة لتكن الحرب العالمية الأطول والأشد ضراوة، أو يعود العالم الى الانقسام لتلفه حرب باردة جديدة؟
الزمن كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)