ولم يكن هناك أي ممثل عن الدولة السورية. وقبول سورية عدم دعوتها وتجنبها إصدار أي تعليق إيجابي أو سلبي رسمي من الدولة السورية حول مناقشة الحرب عليها كدولة ذات سيادة، دون حضورها في خرق فاضح للقانون والشرعية الدولية في محاكمة الضحية، والقضاة والمدعون هم أصل الجرم والجريمة في موقف مخز لمجتمع دولي يدعي الدفاع عن سيادة الدول وحقوق الإنسان في مسرحية هزلية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. هذا الموقف السوري لا يمكن أن يفهم إلا على أنه ثقة فوق العادة بالقيادة الروسية وتحديداً بشخص الوزير لافروف الذي التزم بكل التفاصيل التي جرى التوافق عليها سواء مع القيادة السورية أو على المستويين الإقليمي والدولي، لأنه يعرف تماماً شرعية الدولة السورية وقيادتها، وحقها في الدفاع عن نفسها، وقدرتها على مواجهة أعتى حرب قد عرفتها البشرية. بالمقابل يمثل لافروف دولة عظمى لها وزنها وثقلها السياسي والعسكري ويدافع عن حليف تاريخي استراتيجي أصبح جزءا من معادلة عالم جديد متعدد الأقطاب، وبات يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الإقليمية والعالمية التي تكسرت على صخرته كل المشاريع الغربية والأمريكية مسبقة الصنع، والتي جاءت إلى المنطقة على رياح التغيير الديمقراطي، حسب زعم الدول القائمة عليه تحت عنوان الربيع العربي "الحريق العربي"، ما أعطى الدولة الروسية ووفق الشرعية الدولية الحق والقدرة على كسر كل القواعد الشاذة في التعامل الدولي في مثل هذه الظروف، والعودة بقوة إلى دورها في إحلال السلام والأمن والاستقرار في العالم ومكافحة الإرهاب، في ظل ظروف تعد من أخطر ما مرت به البشرية جمعاء لما استخدم فيها من إرهاب دموي قذر خرج عن سيطرة أسياده وبات خطرا يهدد بنهاية العالم، ومع كل ذلك ما تزال القوى التي خلقته وتدعمه تكابر على ما أوقعت نفسها والعالم فيه.
انعقد لقاء لوزان وانتهى دون التوصل إلى أي نتائج حقيقية، من شأنها أن تعطي السمت اللازم للتحرك نحو الهدف، والذي يجب أن تتمحور عليه المرحلة القادمة بخصوص الحل السياسي في سورية. لكن الجميع لاحظ أن التوتر الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة قد انخفض إلى درجة كبيرة، وهذا ما يمكن قراءته في تصريحات كل من وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قال "ناقشنا أمورا مثيرة وفي غاية الأهمية". وبالطبع كان أهمها تثبيت مبدأ حق السوريين في تقرير مصيرهم، وهذا أهم هدف يمكن التوصل إليه لأنه في الحقيقة لو جرى ذلك لأدهش الشعب السوري العالم بحرية تقرير مصيره، كما أدهشهم بقوة الصمود والدفاع عن نفسه، وهذا ما كان قض مضجع "مجتمع النكاح" الدولي، وكذلك الأمر الأمريكي جون كيري الذي قال إن اللقاء كان بناءً جداً.
وبالتالي هذا ما قد يكون أعطى إلى حد كبير الأمل في أن يتم استكمال الحوار الإيجابي تجاه سورية خلال الجلسة القادمة المزمع عقدها يوم غد الاثنين، ولن تؤثر عليه أبداً اجتماعات وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول الإقليمية التي لم يتم الكشف عنها لو اجتمعت حتى ما لا نهاية لأنهم مجرد أرقام في المعادلة العالمية الجددة، أكثر ما يمكن أن يحلموا فيه أن يضمنوا لنفسهم مكانا في الطابور في الصفوف
وأهم ما لوحظ وتم تسجيله في هذا اللقاء هو انعدام طرح أي شروط مسبقة بما يخص القيادة السورية وتحديداً رحيل الرئيس بشار الأسد، ولم يسمع أي صوت بهذا الطلب سوى أصوات بعض أطراف المعارضة المترامية الأطراف، التي تبحث عن أي خطاف تتعلق به في زحمة الهبوط إلى الأسفل، ما يعني أن هذا الطرح بات قيد النسيان تحت ضغط المكاسب العسكرية التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه بدعم من الطيران الروسي وتحديداً في حلب الشرقية، وبفعل الجدية الكبيرة التي أظهرتها روسيا تجاه التعامل مع القضية السورية. هذا عدا عن الفشل الذريع في تمرير ما يسمى بورقة ديمستورا، التي سربت بنودها بعض وسائل الإعلام، دون أن تتجرأ أي دولة إقليمية أو غربية بما فيها الولايات المتحدة أن تتبناها، لأنها تحمل من العهر والخبث ما تحمله، ولأنها إن صحت التسريبات تنم عن أسلوب غبي تافه أخرق يناقض جميع الأعراف والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة الخاص باحترام سيادة الدول واستقلالها. وكان من الواضح أنه مشروع غبي من أجل حماية المجموعات الإرهابية المسلحة بغية إخراجها من تحت حصار الجيش العربي السوري لها في حلب، وتمكينها من إعادة الانتشار بعد أن عجزت أن تقدم لها الدعم المادي واللوجستي تحت مسميات مختلفة، آخرها كان مسرحية هزلية تحت عنوان المسالة الإنسانية وإنقاذ الأبرياء. أما باقي الدول المشاركة، فقد كان من الواضح أن مشاركتها أو حضورها مربوط أيضا بنتائج التوافق الروسي الأمريكي.
وبما أنه لم يتم الحديث عن أي توتر من شأنه أن ينسف الحوار القائم، وبما أنه تم إعطاء الفرصة للقاء آخر، فهذا يعني أن جميع الأطراف وضعت ما لديها على الطاولة، وأعطيت الفرصة للجميع للتفكير ملياً بطرح كل طرف. فهذا يعني أن هناك اتفاقاً ما سيتم، وعلى الأرجح سيكون إيجابياً لأن الولايات المتحدة لن تسطيع أن تدخل هدف في الوقت الضائع، ولا تستطيع أن تكسر رجل الحكم ،وهي على أبواب الانتخابات الرئاسية، عدا عن المحارق التي تتعرض لها مجاميعها الإرهابية، والمستنقعات التي غاص فيها حلفاؤها، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم يبق من السعودية ظاهرا في مستنقع اليمن سوى الرقبة، وتركيا التي تهرب من ساحة المعارك في سورية إلى العراق، ما يعني أن روسيا هي الطرف الوحيد الذي سيتنفس بهدوء وبعملية طبيعية تراجعية ليس لها أي تأثيرات جانبية على خط سير العمل. أما الباقون وعلى رأسهم أمريكا سيضطرون إلى الخضوع لعملية تنفس إصطناعي ريثما تنتهي مرحلة الإنعاش التي ستكون ضحاياها بالجملة من دول المنطقة ومن معها من الأذرع الإرهابية، وقد تعقد تسوية إقليمية دولية شاملة تبدأ من سورية ولن يبقى كما يقول المثل العربي في الميدان غير حديدان.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)