التي أضاعت إنتماءاتها بفعل الانهيارات الحاصلة والتقاتل فيما بينها، بعد خروج معظمها عن سيطرة الأسياد، الأسياد الذين بدورهم ضاعوا في متاهة الجغرافيا والسياسة السورية والاستراتيجية المقابلة لها في الميدان، وكذلك الأمر، تمتد الجبهة المناوئة للإرهاب ضد حلف الناتو، الذراع العسكرية الأساس المساندة للحلف الغربي الطامع بالشرق، التي تأخذ حتى اللحظة شبه الحياد بغض النظر عن فقاعاتها الإعلامية وتصريحاتها الرنانة بلحن النشاذ، فتارة تعد وتطلق تصريحات وتهديدات، وتارة تحوم حول الحدود الروسية من جهة البلطيق وأروربا الشرقية، لكن دون فائدة، فتعود
نعم يستمر المشهد السوري بوضعه العام وعلى وجه الخصوص في حلب، وبالتصعيد بشكل مخالف ومغاير لجميع أشكال وقواعد التشابك التي تعودنا عليها خلال الفترة الماضية، مع عدم حدوث أي خلل حقيقي حتى اللحظة بالتوازن الاستراتيجي، علماً أن عروض القوة مستمرة، وترجح فيها كفة الدب الروسي، التي إذا ما ضربت هزت وزلزلت، وعلى الضفة الأخرى من ساحة النزاع تبقى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ومجموعاتها الإرهابية المسلحة في حالة مكانك راوح وهرولة في المكان، وتتمركز بالتحديد في مناطق حلب الشرقية، وعلى الرغم من مد اليد السورية والروسية بحسن نية على أكتاف الهدنة التي كانت منذ البداية مشروعا فاشلاً لعدم الالتزام به إلا من الطرف الروسي السوري الموحد ميدانيا وسياسيا، ومع ذلك أعطت روسيا وسوريا وحلفاؤهما مسافات الآمان المطلوبة، والمجال الواسع أمام الولايات المتحدة منتظرين منها أي خطوة متقدمة تعبر عن حسن نيتها هي أيضاً، وكالعادة بلا فائدة ترجى، لكن وبغض النظر عن الغوص في التفاصيل ومتاهات التشابك الجيوسياسي والجيوستراتيجي، وحتى العسكري، التي تحاول فيها الولايات المتحدة تارة بالأصالة وتارة بالوكالة تحقيق أي تقدم نوعي من شأنه أن يحسن ظروف المناورة في ظل ضياع الرأس والمرؤوس ووصول الحالة بالطرف المعتدي الى حالة من الجنون الهستيري الذي يصيب البقر فيسقط الكاوبوي الثمل والمترنح من على ظهره، والضرب على مبدأ "ياحجرة ربي وين ما انطبيتي انطبي" ، لعلهم يحققون إصابة ما، تقض مضجع الدولة السورية وحلفائها حتى يزعنوا للأمر الواقع كما يتمنون.
محاولات الولايات المتحدة الفاشلة لمحاصرة روسيا فشلت بامتياز ومفادها لا ينبأ بهدوء قادم، وكانت المحاولة الأخيرة من خلال استصدار بيان مجلس حقوق الإنسان حول أن روسيا تنتهك حقوق الإنسان في سورية، بإسلوب استجداء وضيع، بالرغم من أنه غير مقبول قانونيا ولا حتى تنظيمياً، وهذا ما قاله المستشار القانوني للمحكمة الجنائية الدولية الدكتور محمد بكار، في حوار خاص لـ"سبوتنيك"، مؤكدا "إن اتهام روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في سوريا فضيحة ولا يحمل أي صبغة شرعية ولا قانونية ومضلل وبعيد عن الحقيقة والواقع، والهدف منه إحراج روسيا التي تقوم بواجبها على الساحة الدولية لتحقيق السلام".
هذا من طرف، ومن طرف آخر نرى أن الجانب الروسي يستعد بقوة وعلى مختلف الصعد لأي احتمال قادم لا يمكن التكهن به إلا لمن كان بما يجري خبيرا، ونعني هنا التصريحات التي نسبت إلى الرئيس بوتين، حول أن روسيا سوف تتخذ الإجراءات المناسبة إن لم تنجح الهدنة، يرافقه حشد عسكري روسي لم يكن له مثيل في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل السورية وفي المياه الإقليمية، يعني وبالمختصر يتضح أن الجميع يتحضر لمعركة كبيرة في حلب، وإلا لما كل هذه التحضيرات؟
ولما كل هذا التصعيد الذي يعطي الشعور بأن شعلة المواجهة قد تنفجر في أي لحظة، وعلى الضفة الأخرى من الحدث نرى أن كل شيء وارد في مثل هذه الظروف رغم أن المواجهة لن تكون بردا وسلاما على أي طرف من الأطراف، وقد تمر كسحابة صيف دون مواجهة مباشرة مع الكل وبين الكل.
هنا لايمكن لأحد من المتابعين ولا حتى من الخبراء العسكريين المخضرمين أن يتكهن، كما يجب، بما قد يؤول إليه الوضع الحالي على الساحة السورية، في ظل المتناقضات الجارية على الساحة الإقليمية والدولية، وحتى على الساحة الداخلية السورية، حيث أن المشهد وصل إلى حالة من التعقيد فاقت جميع التوقعات، وكأنه بالفعل تدور رحى حرب عالمية تتنازع فيها أطراف إقليمية ودولية على ملك لايعود لها بالأصل، كانت هذه القوى في بداية الأمر تحاول أن ترسم خطاً ومساراً موحداً لها لإسقاط الدولة السورية، ليتقاسم فيما بعد جميع المشاركين الكعكة السورية في شتى المجالات والاتجاهات وكل حسب مصلحته التي يراها من أولويات مشاركته، ولكل منهم أطماعه، ونقصد هنا الطرف الذي تقوده الولايات المتحدة ومن معها من دول غربية وإقليمية كانت ومازالت الشريك
الحديث يدور هنا عن تعقيدات المشهد السوري بشكله العام، وخاصة على جبهة حلب التي لا تعتبر فقط معركة الحسم الفصل بخصوص سورية، بل إنها معركة مواجهة دولية وإقليمية، من ينتصر فيها هو من سيغير وجه المنطقة، والمعادلات السياسية في العالم الجديد.
وبالمحصلة الأسئلة التي تبحث لنفسها عن أجوبة لا تعد ولا تحصى لكن يبقى على رأسها السؤالين التاليين:
هل مفتاح حل القضية السورية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بالفعل في حلب ولماذا؟
وكيف سينتهي التدافع على حافة هاوية الصمود السوري في حلب بالتحديد؟
و هل ننتظر العاصفة، يتساءل الخبراء؟
الجواب لايوجد عند أحد حتى اللحظة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)