عقدت في المركز الروسي للعلوم والثقافة في بيت لحم، يوم السبت 29 تشرين الأول/ أكتوبر، بحضور مدير المركز، ورؤساء مؤسسات وجامعات وأعضاء هيئات تدريسية من الجامعات الفلسطينية وأطر طلابية مختلفة بالإضافة إلى شخصيات اعتبارية فلسطينية.
في كلمته أكد الدكتور نبيل شعث، أن جمعية الصداقة الفلسطينية الروسية حريصة على تنظيم نشاطات سياسية وثقافية تسهم في فهم وتطوير العلاقات الفلسطينية الروسية، والعربية الروسية، وركز على حرص القيادة الفلسطينية على تطوير وتوطيد العلاقات ما بين روسيا الاتحادية وفلسطين، وقال نحن ندعم كل النشاطات والفعاليات التي تخدم العلاقة الروسية الفلسطينية وشدد على أن العلاقات الروسية الفلسطينية راسخة وثابتة، حيث أن روسيا تعتبر دولة صديقة وحليف استراتيجي للشعب الفلسطيني، وتقف دائما مواقف تأييد للشعب الفلسطيني مرتكزة على قرارات الشرعية الدولية، وبذلك فهم شركاء لنا في كل المحافل الدولية وأهمها مجلس الأمن حيث لم يسجل أن اتخذ فيتو واحد ضد فلسطين.
من جهته، تحدث الدكتور أسعد العويوي، نائب رئيس الجمعية وأستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس المفتوحة، أن هذا اللقاء محاولة للإطلالة على الدور الروسي الجديد على مسرح السياسة الدولية، بعد مدة انكفاء طويلة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م.
وقال العويوي، إنه عند الحديث عن محددات وأهداف السياسة الخارجية الروسية، يمكن القول بأن روسيا شأنها شأن الدول العظمى، توازن بين المحددات المحلية والدولية، وبين الاعتبارات الداخلية والخارجية. وعند الحديث عن الدور الروسي في المنطقة العربية، فلا يمكن فهم المحددات دون النظر إلى تاريخية هذا الدور، سيما في ظل الحقبة السوفيتية، كمدخل لقراءة الدور الراهن، أو فهم مدى إمكانية إعادة تفعيله. إذ يمكن القول إن السياسة الخارجية الروسية الجديدة تنطلق من رؤية ترتكز في أحد مرتكزاتها على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، باعتبارها تمثل مكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدا عن تلك المنطقة الاستراتيجية، لما تمثِّله من قلب العالم: حيث تتقرر فيها مراكز التوازنات والقوى الدولية.
من جهتها تطرقت الدكتورة فكتوريا كاروتشكينا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، أستاذة العلوم السياسية في جامعة سان بطرسبورغ الحكومية، إلى الانخراط الروسي في الأزمة السورية وأنه جاء بناء على طلب الحكومة السورية ضمن الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، وهذا الانخراط إلى جانب الدولة السورية لا يتعارض مع القانون الدولي.
وأكدت أن الرئيس بوتين تحدث أن هدف التدخل العسكري الروسي هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية المهددة بالتقسيم على أساس عرقي وطائفي من قبل قوى إرهابية مرتبطة بدعم وتأييد من دول الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة. وقالت كاروتشينا، إن التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أكثر من 65 دولة لم يحقق أي نجاحات في الحرب ضد القوى التي دمرت البنى التحتية لدولة العراق وسوريا، بل على العكس من ذلك، توسعت المساحات المسيطر عليها من قبل القوى الإرهابية في الدولتين. ولكن بعد التدخل الروسي في الأزمة السورية تراجعت سيطرة الإرهابيين في الأراضي السورية إلى حد كبير. وأكدت فكتوريا كاروتشكينا أن السياسة الروسية الجديدة في الشرق الأوسط، والأزمة السورية بالتحديد، وضعت حدا نهائيا للأحادية الأمريكية في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. وأكدت أن السياسة الأمريكية تنطلق من مصالحها الاستعمارية للسيطرة على الموارد الطبيعية للدول، وهذه السياسة الإمبريالية لا تراعي أبدا مصالح الدول الوطنية في منطقة الأوسط والعالم.
من جهته استعرض تاريخ العلاقات الروسية العربية في مراحلها الثلاث القيصرية والسوفيتية والمرحلة الحالية. حيث تطرق الدكتور حلاوة إلى مساعدة الاتحاد السوفييتي لحركات التحرر الوطني العربية في نضالها ضد الاستعمار الأجنبي، ووقف إلى جانب مصر في العدوان الثلاثي عام 1956م، وساعد الجزائر ومصر والعراق وسوريا في تنمية مجتمعاتها في شتى المجالات الاقتصادية من بناء مشاريع صناعية وبناء السد العالي في مصر. وأكد حلاوة على السياسة الروسية المتجددة في الشرق الأوسط أيضا تنطلق من منطلقات مبنية على المصالح المشتركة للدول. وروسيا اليوم بقيادة الرئيس بوتين وضعت حدا نهائيا للقطبية الأحادية الأمريكية في العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص.
من جهته ركز الدكتور محمد فرحات على أن الأمم العتيقة والعميقة والعريقة هي أمم غير متعبة من حيث وصفها وتشخيصها ومعرفة خارطة الطريق إلى فهمها، لكنها مركبة بالضرورة، وروسيا هي واحدة من أهم الأمم على المسرح الكوني الحديث على الأقل، كما أنها أمة مكتفية وهذا الأمر هام، لأن الأمم المكتفية لا تبحث عن شيء ينقصها خارج نطاقها، ولكن التاريخ والجغرافيا والضرورة والإرادة تقلدها كما تقلد نفسها مهمات وأدوار مهمة.
كما أكد الدكتور فرحات، أن روسيا دولة مهمة للتوازن والسلام والأمن الإقليمي والكوني، وذلك بحكم دورها وخياراتها، لذلك لطالما كانت روسيا دولة تحركها أخلاق المسؤولية خصوصا عندما كانت الدول الكبرى أو بعضها على الأقل تميل للخيارات المجنونة أو المدمرة في إدارة شؤون العالم.
وفي روسيا الراهنة- مرحلة بوتن- التي تنهض من ثنايا تعثر عقد التسعينيات وموروث غورباتشوف ويلتسين في التيه والوهن والمذلة، سنلاحظ تواجد هذه العناصر وغيرها على نحو جوهري في دورها المتجدد وحضورها المطلوب.
غير أن ثلاثة مكونات أساسية يتعين على المعنيين بروسيا ودورها أن يأخذوها بعين الاعتبار:
الأول: المكون الروحي متمثلا في الأرثودوكسية المشرقية ودورها الروحي العميق في وجدان روسيا وفي روابطها مع محيطها وتحديدا الشرق الأوسط وحصرا مع سوريا. حيث للأرثودوكسية التزماتها الروحية والأخلاقية والوجدانية التي لها مجال صرف سياسي واستراتيجي أيضا.
الثاني: المكون الثقافي، الذي يعكس الرؤية الثقافية لروسيا وأهمية إقامة روابط مع العالم في الجبهة الثقافية بالمعنى العميق للكلمة.
المكون الثالث، هو المكون السياسي الذي يقوم على معادلة مصلحية أخلاقية ، حيث تبحث روسيا عن مصالحها ودورها بالتقاطع مع مصالح الأخرين وليس على حسابهم وربط ذلك بمسألة الأمن والاستقرار والسلام والتحقق المناسب للجميع.
وتقف روسيا على رأس حلف ممتد يسعى لإعادة صياغة العالم على أساس تعددية الأقطاب والمصالح المتبادلة والأمن والاستقرار.
أما الناشط السياسي الفلسطيني نصار إبراهيم، فقد أكد أن صمود الجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة ضد قوى الظلام المدعومة من الرجعية العربية والقوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هو الذي دفع روسيا لاتخاذ موقفا متقدما في الانخراط في الأزمة السورية. وشكر الدولة الروسية على حضورها القوي في الشرق الأوسط الذي وضع حدا لسياسة الاستفراد الأمريكي في ملفات المنطقة.
وأكد الحضور من خلال أغلب المداخلات على نظرتهم الإيجابية والمؤيدة للموقف الروسي في سياسته الشرق أوسطية الحالية، وعلى شكرهم وتضامنهم مع الموقف الروسي في الشرق الأوسط وعبروا عن إعجابهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لحقبته أثر عظيم في إعادة روسيا كقوة عظمى يحسب لها حساب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين ومقررة على المسرح الدولي.