لقد عاشت الإدارات الأمريكية على مر السنين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية على مبدأ فرّق تسُد، انطلاقاً من قاعدة "إن وجدت القوة فلا داعي للعقل".
واستمرّت الولايات المتحدة في اتباع هذه المعادلة وتطبيق سياسة القوّة والغطرسة والهيمنة، وشطحت إلى أن وصلت إلى سورية، التي أسقطت فيها كل الموازين المحليّة والإقليمية والدولية، وقلبت الدنيا رأساً على عقب، بصمودها المدعوم من الحلفاء الروس بالدرجة الأولى، ويليهم تباعاً الحليف الإيراني، والمقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة العربية سواء الحرس القومي العربي، أو لواء القدس الفلسطيني، والمقاومة العراقية وهلمّ جرّة، والأهم من ذلك الدعم الشعبي السوري العارم الذي سيسجّله التاريخ إنطلاقاً من عَظَمَة الصبر وحبّ التضحية بالروح والدم وكل ما يملكه هذا الشعب المنكوب بكل ممنونية، تحت شعار واحد صدحَ في حناجر الشعب السوري من صغيره إلى كبيره "كلّو فدا الوطن "، والحديث يطول ويطول عن ثبات الدولة طوال هذ السنوات العِجاف التي لم يكن ليتحمّل أوزارها ونوائبها أي شعب في تاريخ البشرية جمعاء.
إذاً هذه الانتصارات شاملة وقوية التأثير على الوضع بشكل عام بالنسبة للطرف المعتدي على سورية، وهامّة جدّاً لسورية وحلفائها نحو السير بإنهاء المجاميع الإرهابية في كل مكان من الأرض السورية وفي العراق الذي شرّع قانونية قوات الحشد الشعبي ووضعها تحت إمرة القائد العام للجيش والقوات المسلحة وسدّ الطريق على المتربّصين بانتصارات العراق على أدواتهم، واليمن الذي بات المجتمع الدولي يترجّى منه الصبر على بلواه وهو المعتدى عليه زوراً وبهتانا ويدفع ثمن تقاطع مصالح إقليمية ودولية كما هو الحال في دول آخرى عدا الملف السوري الذي له خصوصية من الصعب فهمها إلا بعد إنقضاء الأزمة وتوقّف الحرب القائمة عليها وإن أجلها يحكم بخروج الأمريكي من معادلة الشمال السوري بشكل شبه كامل، وحتّى ليبيا وزيارة القائد العام للجيش الليبي المُشير خليفة حفتر مؤخّراً إلى موسكو فهي تحمل الكثير من الرسائل للقِوى الإقليمية والدولية بأنّ السيل قد بلغ الذُبى، لنرى مشروعهم يتهاوى بذلٍّ ما بعده ذلّ سيذكره التاريخ في صفحاته السوداء.
لنأتي بعد ذلك الى استذكار الماضي القريب في فشل استخدام الملف الأوكراني للضغط على روسيا وإقصائها من كثير من الملفات الدولية العالقة، وانهيار كل مشاريع احتواء دول البلطيق والبلقان وأوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي المتهالك على نفسه، وأكبر دليل على ذلك وصول القوى الداعمة لروسيا في كل من ليتوانيا وبلغاريا إلى سدّة الحكم وكلاهما يدعمان التوجّه الروسي في سياسته الخارجية ويمقتون الغرب وولاياته وولاته وأوليائه وافتراءاته.
فهل تتحمّل رؤوس الخاسرين هذا المخاض؟ وهذه الولادة الشرعية والطبيعية؟
أم أنهم سيذهبون مع شياطينهم في غيّهم حتى يقتلوا المولود الجديد؟
فهم لا يناسبهم مولود شرعي يولد من رحم الألم والمعاناة والحقيقة، وإنما يناسبهم ابن الحرام الذي يعلّقون في رقبته كل أفعالهم النجسة بحق البشرية جمعاء.
الجواب قطعاً يكمن في حكمة السماء التي ستغلب تهور القطيع ورعاته، وشريعة الله كفيلة بمحو شريعة الغاب، ومن آمن بقضيته وبالله والوطن ما خاب.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)