(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)
الذكرى العاشرة، لتحدي صدام حسين جلاديه، الذين كانوا يقتلونه وهم يرتعدون خوفاً.. الذين هزتهم نظرات عينيه بينما هو يستعد ليتدلى من حبل المشنقة، ليكتب التاريخ نهاية الرجل، الذي كان يوماً صاحب الكلمة الأولى في مصائر أمم.
يحكى أحد حراس الزعيم الراحل صدام حسين، أنه حينما علم أنه ذاهب إلى حبل المشنقة، وأن هذه الساعات هي الأخيرة من عمره، لم يترك القرآن، وعندما سألوه إذا كان يريد شيئاً، طلب منهم "بالطو"، أي معطف ثقيل.
لما تعجب الحاضرون من المطلب، قال لهم القائد البطل "لأن الطقس عند الفجر في العراق، ونحن في ديسمبر/ كانون الأول، يكون بارداً جداً، فأخاف أن يرتجف جسدي من البرد، فيراني العراقيون ويظنون أنني أرتعد خوفاً من الموت، وأنا لا أخاف الموت في سبيل بلادي".
هكذا عاش صدام حسين، لا يخاف الموت، ولا يخاف القوى الكبرى والمستعمرين، ولا يخاف القنبلة النووية ولا التفتيش، ولا يخاف الغزو الأمريكي لبلاده بعزم من قرر المقاومة حتى الرمق الأخير، رغم تبخر جيشه بخيانة، وهكذا أيضا مات لا يخشى الموت، ولا يخشى إلا على شعبه من التفرق والانقسام، وهو ما كان.
كثيرون في زمننا المعاصر، ينظرون إلى العراق بأعين ملأها الحزن، ويتساءلون: كيف حكمت هذا الوطن الكبير ذو المشارب المختلفة والأذواق المتباينة، والمذاهب المتعاكسة، والتيارات المتشاجرة يا صدام؟ فيأتيهم الجواب: حكمهم بالحكمة، فلم يجوعوا ولم يشردوا ولم ينقصهم الأمن.
ولد صدام حسين في 28 إبريل/نيسان 1937، لعائلة سنية تعمل في الزراعة بقرية العوجة، بالقرب من مدينة تكريت، 170 كم شمال غربي بغداد، وتوفي والده حسين المجيد قبل ولادته بعدة أشهر، فربته أمه وزوجها "إبراهيم حسن"، الذي كان يمتهن حرفة الرعي.
أكمل صدام دراسته الابتدائية في مدرسة تكريت، قبل الانتقال لمدرسة الكرخ الثانوية في بغداد، حيث تأثر بأفكار خاله خير الله طلفاح القومية، وقد عينه صدام فيما بعد حاكما لبغداد. كما تأثر صدام حسين بأفكار وكتابات المفكرين القوميين وبالأخص البعثيين، وعلى رأسهم ميشيل عفلق، حيث توثقت صلاتهما بدءا من الستينيات، وكان عضوا نشطا منذ شبابه في حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، غير أن شهرته جاءت من كونه رجل دولة قويا يحكم قبضته على السلطة أكثر منه زعيما يتبنى رؤى فكرية.
وانتمى صدام حسين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1956، وتعرض للاعتقال 6 أشهر، بين عامي 1958/1959 بسبب اتهامه في مقتل أحد رجال السلطة في تكريت، وفي عام 1958 حدث تغير سياسي هام في العراق يتمثل في نجاح مجموعة من ضباط الجيش غير البعثيين، بقيادة عبد الكريم قاسم في الإطاحة بالملك فيصل الثاني وتولي الحكم.
وقرر حزب البعث اغتيال عبد الكريم قاسم، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، والذي أصدر حكما بالإعدام على بعض ضباط الجيش المناوئين لحكمه، وأوكلت هذه المهمة إلى مجموعة من كوادر الحزب كان بينهم صدام حسين، وبالفعل أطلقوا النار على موكبه في بغداد في أكتوبر/تشرين الأول 1959، غير أن المحاولة فشلت، وأصيب خلالها صدام، وفر بعدها إلى بلدته تكريت، خوفا من بطش الأجهزة الأمنية، ومنذ ذلك الوقت بدأ نجم صدام يلمع ومكانته تزداد لدى قادة حزب البعث.
لجأ صدام إلى سوريا، وأقام بها ثلاثة أشهر ومنها توجه إلى مصر في 21 فبراير/شباط 1960. وفي القاهرة التحق بالصف الخامس الإعدادي بمدرسة قصر النيل لإكمال دراسته الثانوية، والحصول على شهادة التوجيهية، وسكن مع عدد من رفاقه في حي الدقي وارتقى في صفوف القيادة الطلابية لحزب البعث حتى أصبح مسؤولا عن الطلاب المنتمين للحزب لفرع مصر.
وهناك في بغداد أصدرت المحكمة العسكرية العليا الخاصة في ديسمبر/كانون الأول 1960 حكمها بالإعدام عليه وعلى مجموعة من أعضاء الحزب الهاربين خارج البلاد لمشاركته في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم.
انتسب صدام إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة عام 1961 ولكنه لم يكمل دراسته، فقد عاد إلى بغداد في أعقاب الانقلاب الناجح لحزب البعث في 14 يوليو/تموز 1963 والذي أسفر عن الإطاحة بنظام حكم عبد الكريم قاسم وتنصيب عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية، الذي سرعان ما دب الخلاف بينه وبين قادة حزب البعث، وانقلب عليهم، ولاحق قادتهم وسجن بعضهم وكان من هؤلاء صدام حسين الذي استطاع الهرب داخل العراق، وهي الفترة التي مكنته من إعادة الأمور إلى نصابها، قبل أن ينفذ محاولته لإحكام السيطرة على العراق.
ربما تكون السيرة الذاتية لصدام صادمة للكثيرين، فهذه هي طبيعته التي اشتقها من اسمه، ولكن الأكيد أن صدام حسين كان وسيظل رمزاً للنضال الوطني، ضد قوى الاستعمار الغاشمة، التي لم تستطع أن تكسر الشوكة العربية إلا من خلال احتلال العراق، الذي كان من أقوى الاقتصادات العربية، وأيضاً من أقوى الجيوش العربية، لولا الخيانة التي شقته من الداخل.
ربما لم يكن صدام حسين حاكماً ديمقراطياً، ولكنه كان يمثل الديكتاتور العادل، فلم يكن العراق وقت صدام حسين يعرف الإرهاب، ولا يعرف الانقسام الطائفي، ولا يعرف أيضاً عدم الاستقرار الأمني، الذي نشهده في الوقت الحالي.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)