سبوتنيك: هل يمكن اعتبار المظاهرات التي شهدتها تونس، السبت، مؤشرا لأن تعود تونس إلى يناير/ كانون الثاني2011 من جديد؟
الراشدي: من حق الشباب أن يعبر عن رأيه، ولكن الاحتجاجات التي شهدتها تونس، أمس، في ذكرى الثورة، احتجاجات ظرفية وليست متواصلة، فهي محدودة بزمن، ومكان، كما أنها محددة المطالب، والوعي الذي أصبح يتمتع به المواطن التونسي الآن يدفعه للبحث عن الاستقرار، ويحثه على المزيد من العمل بعيدا عن مظاهر الفوضى غير المبررة، إلى جانب الأرقام العالية التي سجلها الاستثمار التونسي في الآونة الأخيرة بالقطاع الخاص، مبشرة بالخير.
سبوتنيك: ما هي الظروف التي يجب تهيئتها للوصول إلى الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة التونسية؟
الراشدي: الحراك الاجتماعي الذي نعيشه اليوم في تونس وخاصة في مناطق جنوب وغرب البلاد، في المناطق التي تم تهميشها من عمليات التنمية سابقا، ناتج عن عدم تحقيق بعض مكاسب الثورة. ولكننا يمكن تحقيق تلك المكتسبات من خلال بُعدين قائمين فعليا، من التداخل الذي تم بين منظمات المجتمع المدني، والحكومة، وبين شريحة المثقفين، بهدف النهوض بالبلاد عقب الثورة، والذي يعد من أهم المكاسب التي يجب أن لا ننساها والتي تدفعنا أيضا للتخلي عن بعض المطالب، أو تأجيلها في الوقت الحالي، والتركيز على التنمية الشاملة في مختلف أرجاء البلاد، إلى جانب تحقيق الُبعد الآخر، وهو البعد الاستثماري، أو الاقتصادي، والمتمثل في نجاح "مؤتمر الاستثمار الدولي 2020"، والذي استطاع أن يجذب أطراف الاستثمار المحلي والأجنبي إلى تونس. فمتى تحقق هذا المناخ المتوازن بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وتوصلنا إلى الهدوء الاجتماعي الذي يمكن الاستثمار من تحقيق مكاسبه، سنصل بلا شك إلى حل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل للعاطلين، والتي تعتبر هي المشكلة الكبرى التي تسيطر على الوضع التونسي في الوقت الحالي.
سبوتنيك: كيف تفسر تعطيل الحكومة التونسية تنفيذ الاتفاقية التي وقعت قبل 10 أيام بين تونس وليبيا، لإعادة فتح معبر رأس جدير، والتي تعود بالنفع الاقتصادي على المنطقة؟
الراشدي: الاتفاق المذكور غير ملزم للحكومة التونسية في شيء، ومع ذلك فالحكومة التونسية الآن تعمل على إيجاد حلول تونسية تونسية، قبل التوجه إلى نقاش مع الطرف الليبي، الذي يحول بينه وبين إبرام أي اتفاقيات رسمية، تأزم الوضع السياسي لديه. ومما لا شك فيه أن الوضع في ليبيا يلقي بظلاله السلبية على الوضع الاقتصادي في المدن الواقعة على الشريط الحدودي بين تونس وليبيا، وبشكل خاص في مدينة بنقردان المرتبطة منذ عشرات السنين بعلاقات اقتصادية قوية ومتواصلة مع الجارة ليبيا، وهذا يفسر الوساطة التونسية الحالية بمشاركة الجزائر ومصر لحل الأزمة الليبية وحرص الجانب التونسي على إحلال الاستقرار في الداخل الليبي، لأن الوضع في ليبيا بطبيعة الحال سيؤثر إيجابا، أو سلبا على تونس بحكم الجوار.
سبوتنيك: وما هي السبل التي تتبعها الحكومة للقضاء على مشكلة التهميش التي تعاني منها المناطق الداخلية التونسية؟
الراشدي: تعمل الحكومة الآن من خلال برنامج الوحدة الوطنية على تنفيذ برنامج طموح يهدف إلى تنمية المناطق المهمشة، يتطرق لحل مشكلات المناطق الداخلية بخطوات مرتبطة، وقد تم إبرام عدد من العقود، لمد شبكة طرق حديثة مزدوجة تربط بين تونس العاصمة والجهات الغربية والجنوبية الغربية من جهة، كما تربط تلك الجهات بعضها البعض بشبكة طرق داخلية من جهة أخرى، إلى جانب تطوير خطوط السكك الحديدية في تلك المناطق وإعادة تشغيلها، تمهيدا لفتح آفاق استثمار في تلك الجهات، تهدف إلى توفير فرص للأيدي العاملة هناك، عقب خضوعهم لبرنامج تأهيل وتدريب يتناسب وسوق العمل المتاح في تلك المناطق في مراكز تدريب، منشأة من قبل الدولة. وعلى صعيد الفلاحة والزراعة، تعمل الخطة التي تسير عليها الحكومة في الوقت الحالي أيضا، على حفر الآبار العميقة، ومد أنابيب لإيصال مياه الشمال إلى المناطق الداخلية، مع برمجة وإنجاز العديد من محطات تحلية مياه البحر، كي تخدم الفلاحة، والقطاع السياحي.
سبوتنيك: لمَ لم تأتِ تصريحات الدكتور"الشاهد" رئيس مجلس الوزراء على هذا النحو التطميني للشعب، عوضا عن عبارات الاعتراف بفشل الحكومة التي استفزت البعض وكانت وراء تلك الاحتجاجات المندلعة السبت الماضي؟
الراشدي: تصريحات الدكتور الشاهد لم تكن اتهاما للحكومات السابقة بالتقصير، بقدر ما تستهدفه من وضوح وشفافية مع المواطن، كما هي عادته منذ أول يوم له في رئاسة الحكومة. ولا يخفى على الجميع أن تونس مستهدفة من قبل الإرهاب والإرهابيين المتحصنين بالمناطق الجبلية، والمتسللين عبر الحدود مع الدول التي تعاني اضطرابات وتتواجد فيها الجماعات المسلحة، وهذا يستلزم العمل على أمن المواطن التونسي، وتوجيه نفقات الدولة، أولا وقبل كل شيء، في هذا الاتجاه، مما أثر على أداء الحكومات السابقة التي انصرفت جهودها للعناية بالأمن وتأمين الحدود، فلم يكن لديها الوقت ولا الإمكانيات التي تعمل على تنمية وحل المشاكل الداخلية.
سبوتنيك: بعد 6 سنوات مضت على إطاحة الشعب التونسي بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، هل هناك فروق تذكر بين تونس الأمس، وتونس 2017؟ وأيهما أفضل من وجهة نظرك؟
الراشدي: بصورة عامة، وضعنا الآن أفضل بكثير مما كنا عليه قبل عام 2011، كنا سابقا ننعم باستقرار الوضع الداخلي أكثر، وهذه حقيقة، ولكنه كان استقرارا مزيفا، قائم على الخوف، والوشاية بين أبناء الشعب، وانتهاك حقوقهم. أما اليوم، فنحن نتمتع بالحرية والوضوح، وأصبحنا على قدر المسؤولية، كل في موقعه، وأتيحت الفرصة للمواطن التونسي، لأن يكون مشاركا في صنع القرار الوطني، بكافة مجالاته، فتدعيم التشاركية المحلية، على الجهات، والبلديات، والولايات، هي أبرز مبادئ الدولة التونسية التي خرجت من رحم ثورة 2011.