ويجهز الفريق لدخول مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون في الشهر القادم، ومسحها بحثاً عن غرف سرية بهدف العثور على المستقر الأخير للملكة نفرتيتي، الملكة المصرية التي ساعدت في قيادة إحدى الثورات الدينية قبل 3300 عام.
وقال فرانكو بورشيللي، مدير مشروع جامعة العلوم التطبيقية (البوليتكنيك) في تورينو، "سيكون ذلك جهدًا علميًا صارمًا، وسيستمر لعدة أيام، أو أسابيع. ومن يعلم ما الذي قد نجده ونحن نجري المسح لأرض المقبرة".
الفريق الإيطالي يدرس استخدام "رادار" من نوع يمكنه اختراق نحو 32 قدمًا من الصخور الصلبة للبحث عن المقبرة.
ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها العلماء استخدام وسائل تكنولوجية حديثة للعثور على ملكة مصر المفقودة نفرتيتي.
ففي عام 2005، نشر عالم آثار بريطاني في جامعة أريزونا، يدعى نيكولاس ريفز، دراسة عن الملك توت عنخ آمون، قال فيها إن غرفة الدفن الملكية احتوت على مدخلين مخبأين جرى إغلاقهما وتغطيتهما بالجبس.
ريفز استخدم التصوير الحراري بالأشعة تحت الحمراء لتحديد مكان الغرف الخفية خلف الجدران. وعلى الرغم من أن المسح الذي أجرته جمعية ناشيونال جيوغرافيك —عقب هذه الدراسة- فشل في الكشف عن أي غرف خفية، إلا أنه لا بد أن نفرتيتي مدفونة في مكان ما، والآن يسعى بورتشيلي وفريقه لرسم خريطة وادي الملوك الكاملة، وحل المسألة مرة واحدة وإلى الأبد.
ويعتبر الكشف عن أي مقبرة ملكية حدثا ذا أهمية تاريخية، إلا أن مقبرة نفرتيتي ستكون اكتشافًا ذا أهمية خاصة.
كان يُعتقد أن الملكة نفرتيتي (حوالي 1370-1330 قبل الميلاد) زوجة أخناتون، والد توت عنخ آمون، أنها ساهمت مع زوجها في بدء مجموعة من الإصلاحات الدينية التي جعلت مصر تدين بالتوحيد لفترة من الزمن.
ولم تلق هذه الإصلاحات قبول الجميع، وفي الوقت الراهن، نملك فرصة معرفة المزيد عن هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية.
وفي حديثه لصحيفة الـ"دايلي بيست"، قال إريك كلاين، عالم الآثار في جامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب ثلاثة أحجار تصنع جدارًا: قصة علم الآثار (Three Stones Make a Wall: The Story of Archeology)، إن هذا الاكتشاف "سيلقي مزيدًا من الضوء على هذه المرحلة التاريخية، لأنها كانت جزءًا لا يتجزأ من عهد زوجها أخناتون، أو الفرعون الزنديق كما يُدعى".
ومن المرجح كذلك أن تعطي المقبرة الإجابة على بعض التساؤلات المهمة حول مدى نفوذ نفرتيتي وعملية نقل السلطة في الأسرة الـ18.
ويعتقد الباحثون حاليًا أن نفرتيتي لم تكن والدة توت عنخ آمون، بل زوجة أبيه. كما يظن البعض أنها حكمت مصر لفترة قصيرة وحدها عقب وفاة أخناتون.
وقالت د. كارولين شرويدر، أستاذة الدراسات الدينية في جامعة الباسيفيك، إن الاكتشاف "ربما يخبرنا المزيد عما إذا كانت الملكة قد حكمت مصر، وهي امرأة، بقدراتها الشخصية. وإن فعلت، فسيجعلها ذلك واحدة من أقوى حكام عصرها، إن لم تكن واحدة من أقوى النساء على الإطلاق".
وحتى لو لم تخبرنا الغرف الإضافية في مقبرة الملك الشاب، المزيد عن نفرتيتي ونقل السلطة، إلا أنها ستشكل محورًا مهمًا في فهمنا لمصر القديمة. كما قال كلاين إننا لم نكن نملك التكنولوجيا اللازمة لتحليل المواد العضوية أو الحمض النووي الذي تم اكتشافه داخل مقبرة توت عنخ آمون، عندما تمكن هاورد كارتر من فتحها عام 1922.
وأضاف: "أنا متفائل بشكل شخصي، بالعثور على المزيد من النصوص والألواح وغيرها من النقوش التي قد تعطينا المزيد من المعرفة بالسنوات المذهلة التي شهدت ترابط القوى العظمى في الشرق الأدنى القديم، من الحثيين في تركيا الحالية، إلى الآشوريين والبابليين في بلاد ما بين النهرين، وعبر بحر إيجة وصولًا إلى الموكيانيين في اليونان والمينوسيين في كريت".
وتابع: "يمكن لمقبرة الملكة نفرتيتي أن تلقي الضوء على التاريخ السياسي القديم بشكل عام، لا على تاريخ مصر الفرعونية فقط".
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قالت إن أي اكتشاف أثري بارز قد يحمل القدرة على إنعاش السياحة المصرية الضعيفة، وذلك إضافة إلى قيمته الأكاديمية. حيث أثرت الهجمات الإرهابية التي شهدها عام 2015 على عدد السياح القادمين إلى مصر، ويمكن لهذا الاكتشاف، مصحوبًا بتخفيف إرشادات السفر، الإسهام في إعادة السائحين إلى مصر مرة أخرى.
وبالنظر إلى أن هذه هي المحاولة الثالثة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في البحث عن مقبرة الملكة الشهيرة، فربما تتساءل عما إذا كان مسعى علماء الآثار قابلاً للتحقيق.
إلا أنه يجب عليك أن تعرف هوارد كارتر، واللورد كارنافورن استغرقا سنوات أيضًا في العثور على مقبرة توت عنخ آمون. وربما تكون "الثالثة ثابتة" حين يتعلق الأمر بنفرتيتي كما يعتقد كلاين.