فتاة من مدينة الموصل، في مركز نينوى شمال العراق، تحدثت لمراسلة "سبوتنيك"، عن ما وصفتها بالكوارث البشرية من مجاعة وهلاك في الساحل الأيمن للمدينة، وقالت: "الناس والأطفال هناك يموتون من الجوع والبرد، ومن نقص الغذاء، لدرجة أن رجلاً استبدل سيارته التي يقدر سعرها بـ(2200) دولار أمريكي، ببرميل واحد من النفط الأبيض للاستعمالات المنزلية "طبخ وتدفئة"، حصل عليه من الحراقات النفطية التي أنشأها تنظيم "داعش" من سرقة الآبار. وآخر حصل مقابل قطعة "فراء حيوانية" حقيقة "عبارة عن عباءة غالية يحتفظ بها منذ سنوات طويلة"، بعلبة زيت نباتي وكيس من السكر".
الفتاة التي تحفظت على الكشف عن اسمها، وصفت لنا "بؤس الأطفال وحالهم المأساوي، بلا تغذية أو لقاحات أو حفاظات، ولا سيما الرضع الذين جف حليب أمهاتهم بسبب الجوع وانعدام الطعام وغلائه، حتى وصل سعر البصل إلى خمسة آلاف دينار عراقي للشدة الواحدة".
واستطردت الفتاة: "البصل الأخضر الطازج ذو الأطراف الطويلة الراقصة عند رفعه، كان رخيصًا في السابق بسعر يصل إلى 250 دينار عراقي — أي ما يعادل عدة بنسات، والعلبة الصغيرة من الطحينية المعروفة في العراق باسم "الراشي" التي يحب العراقيون مزجها مع "دبس" التمر المركز وغمس الخبز فيهما شتاءً، أصبحت غالية هي الأخرى بأكثر من 18 دولارا، في الساحل الأيمن".
وأضافت: "لجأت الأمهات إلى طحن الرز ومزجه مع الماء على شكل حليب لمنحه لأطفالهن الجياع، حتى لا يموتون، بانتظار أن تحررهم القوات العراقية سريعا من سيطرة "داعش" في معركة بدأت يوم 19 شباط/ فبراير الجاري".
وأكدت أن المواد الأساسية كالدقيق والرز، المواد الأساسية المعتمدة في البيوت الموصلية المعروفة بفنون الطبخ العراقي اللذيذ، مفقودة وبأسعار خيالية أن وجدت، كما ذكرت الفتاة أسعار بعض المواد ومنها علبة الزيت الخاص بالطبخ التي وصلت لـ"13 ألف دينار عراقي"، وكيس الدقيق وصل إلى نحو 120 دولارا أمريكيا، وصفيحة النفط الأبيض لـ100 دولار، والبيضة الواحدة لـ1500 دينار.
أما السكر كما قالت الفتاة، فهو مفقود من الساحل الأيمن، مؤكدة أن تنظيم "داعش"، قام بسرقة مادة السكرين من معمل المشروبات الغازية، ليبيعها للمواطنين بسعر 2000 دينار لكل خمسة كيلوات.
وتابعت، "هناك مرضى بحالات صعبة وحرجة يحتاجون لتدخل جراحي، ماتوا في المستشفيات لعدم توفر الأدوية ومادة المخدر "البنج"، وكذلك حالات ولادة ومنها التي تتطلب عمليات قيصرية أجريت دون مخدر".
وأضافت الفتاة: "صديق خالي أخبرنا في اتصال سري من حي في الساحل الأيمن، أنه اتجه إلى دولاب أو "كنتور" غرفة أسرته، لتكسيره إلى حطب ليطهون عليه ما يتوفر من بطاطا، وطماطم، والجلوس حول القدر والنار الهادئة التي تحته لأخذ الدفء منها، حتى بنت خالتي التي هي من العائلات الغنية في الساحل الأيمن، نفذ كل ما لديهم من خزين جمعوه للحرب، وحاليا يسكنون في سرداب ويأكلون ما تبقى من قليل على شكل وجبات خفيفة تكفيهم على أمل تحررهم قريبا. فالمال غير متوفر، فقط "داعش" هو من يلعب بالأموال يبيع ويشتري، حتى المياه يبيعها بصفائح سعة 22 لترا، للناس الذين يقفون في طابور طويل للحصول على صفيحة واحدة".
واختتمت الفتاة حديثها بوصف الوضع في الساحل الأيمن للموصل بالكارثي، فالموت يحاصر الناس، فهناك من يغشى عليه جوعا، وهناك عائلات كاملة تنتحر لعجزها توفير الطعام والدفء لأطفالها الذين أكل برد الموصل الذي لا يحتمل الكثير منهم.
وتسبب تنظيم "داعش" منذ اليوم الأول الذي استولى فيه على محافظة نينوى ومركزها الموصل، منتصف عام 2014، بقتل وتهجير مئات الآلاف من المدنيين الذين تباين مصيرهم ما بين نازحين في العراء لأكثر من عامين ونصف، وعالقين كدروع بشرية يستخدمهم التنظيم لعرقلة تقدم القوات العراقية، وطعم لطيران التحالف الدولي ضد الإرهاب.
ويواجه تنظيم "داعش" أيامه الأخيرة في الموصل، بتقدم كبير شرعت بها القوات العراقية لاستعادة الساحل الأيمن بعد تحريرها محيط المحافظة والجانب الأيسر من مركزها الذي يعتبر ثاني أكبر مدن العراق سكانا بعد العاصمة بغداد.