ودعا فيلدرز البرلمان الهولندي في بيان إلى الاجتماع "لمنع هذه الزيارة وأي زيارات لسياسيين أتراك"، في حين أن وكالة الأنباء التركية ذكرت أن بلدية المدينة أعلنت أن القاعة المقترحة لإقامة التجمع مع كايا غير متوفرة.
وتعلن وسائل الإعلام الأوروبية كل يوم أن هناك شعور بعدم الارتياح في أوروبا تجاه زيارة السياسيين الأتراك. ولاقت هذه الزيارات مقاومة في ألمانيا والنمسا وسويسرا يوم الخميس الماضي.
بداية التوترات بدأت بعد قيام السلطات التركية باحتجاز صحفي ألماني تركي نهاية فبراير الماضي، تلاها محاولات حظر تجمعات جماهيرية يحضرها وزراء أتراك لمخاطبة جالياتهم في ألمانيا والنمسا وهولندا، ومن هنا بدأ التصعيد اللفظي والإعلامي بين الجانبين، حتى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يتردد في الإلقاء بثقله فيها واصفا السياسة الألمانية بـ"النازية".
الموجة الناقمة على أردوغان في وسائل الإعلام الأوروبية، بدأت بسبب التعامل التركي مع معارضي الرئيس، والتهديد الدائم باللاجئين، وظهر ذلك على الأغلفة والعناوين بطرائق مخيفة ولغة مهينة. وتأتي عرقلة الفعاليات الجماهيرية لمخاطبة الأتراك في ألمانيا وغيرها طوراً جديداً في هذا المسعى الذي يستهدف على ما يبدو إضعاف التأثير الرسمي التركي في أوساطهم.
امتدت الانتقادات خلال الصيف الماضي إلى فعاليات جماهيرية مدنية شهدتها بلدان أوروبية تنديداً بمحاولة الانقلاب العسكري، فقوبلت بانتقادات حادة مثل ما صدر عن وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتس الذي انتقد أردوغان وأظهر استياءه من مظاهرات فيينا ضد محاولة الانقلاب، حتى بلغ به الموقف حد قوله إنّ "من يريد الانهماك في السياسة الخارجية التركية فالسبيل متاحة له لأن يغادر بلدنا".
وتعاملت النمسا ذاتها مع الوضع، وحجبت التمويل الخارجي عن المساجد والمؤسسات الإسلامية، وهو ما يمسّ أساسا بالدور التركي الرسمي من خلال عشرات الأئمة الموظفين والجمعيات والمساجد الممولة من أنقرة. وفي فبراير الماضي تم اتهام موظفين في جمعيات ألمانية ونمساوية مرتبطة بإدارة الشؤون الدينية التركية بمزاولة "التجسس" على مواطنين أتراك.
كانت أنقرة قد بدأت في الأعوام الأخيرة سياسات لإنعاش الهوية التركية في صفوف أتراك الخارج، بما يشمل مثلاً دعم المراكز والجمعيات التي تتولى تعليم اللغة التركية والقيام بنشاطات ثقافية ذات صلة، وفي المقابل برزت حساسية فائقة في أوساط أوروبية من التجمعات الجماهيرية والانتخابية التي تقوم بها القيادة التركية في مدن مثل كولن وبرلين وفيينا وغيرها. وقد حشدت هذه التجمعات عداءً كبيراً في أوروبا.
أستاذ القانون الدكتور سمير صالحة قال في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "تركيا من حقها الوقوف أمام التدخل السافر من أوروبا في عملية الاستفتاء، وتوجيه الناخبين الأتراك الموجودين داخلها، والموضوع تطور بداية من منع البلديات لتجمعات الأتراك، في محاولة لتطويق التعامل بين أنقرة ومواطنيها في أوروبا".
وأضاف صالحة "بالنسبة لتهديد تركيا بإغلاق قاعدة أنجرليك الجوية، فهي مربوطة بالعلاقة بين أميركا وتركيا، وهذا الربط لن ينفصم مهما حدث من توتر في العلاقات، على خلفية ما يحدث في سوريا، وأميركا ستحتاج قاعدة أنجرليك لضرب قوات داعش في دير الزور، وسيستمر التعاون الأميركي التركي، فهي علاقة استراتيجية قوية".
وقال المحلل السياسي والمستشار السابق بالخارجية الفرنسية مناف كيلاني لـ"سبوتنيك"، "وضع تركيا غير مرغوب فيه بالاتحاد الأوروبي بشكل عام، وكل خطوة تتخذها الحكومة التركية تجاه أوروبا مشكوك بها، خصوصاً تحت حكم الرئيس أردوغان، والتطورات التي صارت بسوريا".
وأكد أن "التطورات التي صارت بعد وصول حزب إسلامي إلى السلطة، هو الانفصال عن أوروبا، وتوجيه الأنظار للمحيط الطبيعي لتركيا وهي الشرق، سواء البلاد العربية أو ذات الأغلبية التركية، أو حتى روسيا، فالجيران أولى بالمعروف، في نظر تركيا تحت ولاية أردوغان".
وتابع "لا يمكن ألا نلقي التبعة على أردوغان فقط أو الأتراك بشكل عام، لأن الاتحاد الأوروبي منذ البداية شكل من العراقيل والعوائق أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مما لا يحتمله أي شخص، وجعله مستحيل فعلياً، وهناك نوع من الحرب الباردة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وهي ليست بمصلحة أحد، وأعتقد أن تركيا في موقف القوة، لأن الاستثمارت الأوروبية بما فيها الألمانية الموجودة في تركيا الآن، تضع الوزن والثقل في الجانب التركي، عوضاً عن الجانب الأوروبي الذي يتفكك شيئاً فشيئاً".
وأضاف كيلاني "ما نراه في الحملات الانتخابية في فرنسا وألمانيا وهولندا مثلا، التوجه العام هو إضعاف الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، والأتراك يجدون لقمة سائغة في كل طرف أوروبي على حدة، لأن الأوروبيين يفتقدون صوت واحد كذلك، وهناك لعبة ماكرة بين الطرف الأوروبي والتركي، تضغط على الجانب الأوروبي باستعمال الجاليات التركية، المقيمة في أوروبا الغربية، وطبعاً في الدول المستهدفة، في عام انتخابي حاسم، كما هو الحال في هولندا، التي ستعقد انتخابات حاسمة جدا بعد أيام، قد تصل باليمين المتطرف إلى الحكم، وتتبعها انتخابات فرنسة وألمانية".
وأكد المحلل السياسي مناف كيلاني أن "هناك توجه عام في تركيا للتحضير لمثل هذه المواجهة، ولن يكون هناك نوع من الصداقة والتفاهم بين أوروبا وتركيا، والحرب البارده ستنفجر، لأن الاتحاد الأوروبي على شفا الانهيار".
وأضاف "اليوم تابعت ردة الفعل السويسرية على زيارة أوغلو، وهذا أمر ليس له أي سابقة بالعالم، وزير خارجية يتوجه إلى دولة أجنبية للقاء الجاليات فيها، والأفضل والأنسب هو دعوة زعامات الجاليات للقاء في تركيا نفسها، وليس زيارتها في عقر دار أوروبا، في خطاب تهجمي وسلبي جداً، وطبعا الرد العكسي سيكون سلبي".
وتابع "في البداية كانتون زيورخ أعلن أنه سيمنع زيارة وزير خارجية تركيا، ولكن الاتحاد السويسري سمح بالزيارة، فحتى بداخل الموقف السويسري ليس هناك تجانس، وهذا يضر بالأوروبيين، والأتراك فرحين بالتفكك الأوروبي بشكل عام".