"من شدة رائحة الجثث، كدت أن أختنق وأموت، كان الدواعش كل يوم ينزلون بي للقبو ويقدمون شخص أمامي ويقولون "سنقتلك بنفس الطريقة"، كانوا يخرجونني ويدخلونني وأنا معصوب العينين، ولم أعرف في أي مكان ذلك السجن، في اليوم الواحد أموت ألف مرة وهم يعدمون الأطفال والرجال، والنساء أيضا أمام عيني".
وكشفت الفتاة التي تحفظت في الكشف عن اسمها، وهي من بين المدنيين الناجين في الساحل الأيسر لمدينة الموصل مركز نينوى شمال العراق، عن عمليات إعدام نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي بحق السكان في المدينة من اليوم الأول الذي استولى فيه على المدينة.
الإعدام رميا بالرصاص، عملية مملة صارت لدى عناصر تنظيم "داعش" بحق كل مدني يريدون التخلص منه، حتى قاموا بعمل طرق قتل جديدة، منها: إنزال مواطن في ماء مغلي حتى ذاب كقطعة ملح فيه، وقطعوا رأس طفل دون سن العاشرة بتهمة "سب الذات الإلهية".
ومرة نفذ تنظيم "داعش" إعداماً شنيعاً بحق سجين مدني — بتقديمه وجبة طعام لأسد جائع لم يأكل لأسبوع كامل، ونهش جسده وتناوله وهو حي.
وطريقة ذبح جديدة أتبعها تنظيم "داعش"، بتفجير رقاب عدد من المدنيين — بزرع مادة "TNT" حول أعناقهم، وفجرها عن بعد — لتنفجر رؤوسهم وتنفصل عن أجسادهم بشكل شنيع، وهي آخر عملية إعدام أطلعت عليها ورأيت بشاعتها.
وطالت إعدامات "داعش" الشخصيات من أهالي الموصل، الذين رشحوا للانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية، الذين لم يحالفهم الحظ ويفوزوا بها، وكان ترشيحهم مثابة تذكرة موت بيد الدواعش.
وذكرت الفتاة أن أغلب المدنيين الذين أعدمهم تنظيم "داعش" في الموصل، بتهمة التخابر ضده والتعاون مع القوات العراقية، وأغلبها يلفقها لهم حتى يتخلص منهم، حتى أنه قتل كل عناصره المحليين "العراقيين" الذين يرفضون القتال ويهربون من المعارك التي تتقدم فيها الأجهزة الأمنية شمال البلاد وغربها.
وتطرقت الفتاة إلى ما حصل لابن خالها الذي كان على علاقة حب ببنت الجيران — كانت ممرضة في إحدى مستشفيات الموصل، وذهب لكي يحصل على علاج لمرض كان يعاني منه هو "حصى الكلى".
عندما رأته حبيبته، في المستشفى، من خلف خمارها السميك، هرعت إليه وأدخلته على دكتور ليكتب له العلاج اللازم، واستطاعت أن تتحدث معه قليلاً، بعدها بلحظات جاء عناصر ما يسمى بـ"ديوان الحسبة" التابع للتنظيم، وقاموا بسحلها "جرها" معه أمام الناس.
وضعوا ابن خالي في غرفة، والفتاة في غرفة أخرى منفصلة عنه، داخل سجن — وباشر عناصر "داعش" بوابل من الأسئلة:
ما علاقتك َ بها؟
الشاب: إنها بنت عمي.
ذهب الدواعش إلى الفتاة وطرحوا السؤال نفسه، وأجابتهم بأنه قريبها.
صادر الدواعش هويتي الحبيبين، وكشفوا عدم وجود صلة قرابة بينهما، أحتجزوا الشاب لأربعة أيام تحت التعذيب وجلدوه 90 جلدة بتهمة "أنه على علاقة حب" بعدما اعترف لهم أنها حبيبته — طبعا، مع عقوبة الجلد أمروه أن يساوي عددا من القبور مع الأرض، منوهةً إلى سجناء بعد جلدهم يعاقبهم التنظيم بحفر الخنادق له ضمن إجراءاته الاحترازية قبل بد عمليات التحرير التي انطلقت يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016.
وعاد ابن خالي من سجن "داعش" لا يستطيع الوقوف على قديمه، وظهره ممزق من الجلد، أما البنت تم استدعاء ذويها لما يسمى "المحكمة الشرعية" ووبخوهم بأشد الشتائم والسباب على حب ابنتهم، ومنحوهم إنذارا لمنعها من التقرب من حبيبها أو التحدث معه وإلا يتم قتلها.
والجدير بالذكر، أن القوات العراقية بدعم من الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر والأقليات والتحالف الدولي ضد الإرهاب من تحرير مساحات واسعة بمحافظة نينوى والساحل الأيسر وجزء من الأيمن ومركزها الموصل من سيطرة تنظيم "داعش"، منذ بدء العمليات العسكرية وحتى اللحظة تواصل تقدمها.