المثير للانتباه في القمة القادمة في الأردن، التي ستعقد خلال اليومين القادمين، عدد الحضور المعلن عنه من جانب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والذي يعد الأكثر منذ سنوات، نظراً لما يمثله القادة والملوك المشاركين من تأثير وقدرة على توجيه دفه الأمور في الاتجاه الذي يريده الراعي الرسمي.
ويتخوف الكثير من المراقبين والسياسيين من تلك التجمعات، حتى أن بعضهم يؤكد أن أي تجمع كبير للقادة العرب سوف تعقبه كارثة على الأمة، ولن يحقق أي مصلحة لصالح الشعوب العربية، وبنظرة بسيطة للعناصر التي تم تداولها في الاجتماعات التحضيرية للقمة، نستنتج أن ما بعد تلك القمة سيخلف كوارث كبيرة قد نعاني منها عقوداً.
وأول المخاطر التي تثير القلق من قمة "البحر الميت"، هو أن يتم الإنهاء الكامل للقضية الفلسطينية وفقاً للرؤية الأمريكية، بعد أن وضعت إدارة ترامب السيناريو من خلف الكواليس، على أن يتم التمثيل والإخراج على خشبة المسرح العربي، وما يؤكد هذا الطرح هو النغمة التي سادت خلال الأيام الماضية وإصرار الجميع بما فيهم الرئيس الفلسطيني وكذا ترامب على حل الدولتين، رغم عدم تهيئة أي أجواء لإقامة دولة.
لم تعد الشعوب العربية تعول على اجتماع أو تفرق القادة لأن الجميع يعلم النتائج مسبقاً، ولكن القلق من أن تلك اللقاءات أصبحت تمثل خطراً كبيراً على القضايا العربية ومستقبل الشعوب، وبنظرة قريبة للأمور ولنسأل القادة…ماذا فعلتم من أجل المجاعات في بلادكم أو البلاد المجاورة؟ ألستم من أجج الصراعات وأفسح الطرق لسفك الدماء في العراق وسوريا واليمن؟
وفي ظني أن هذا التجمع الكبير لن تطرح فيه آراء بقدر ما ستملى فيه الأجندة السعودية بلا مواربة، فالمملكة لها أجندتها للسيطرة على المنطقة وفقاً للتوجة الأمريكي، ومعاداة دول الجوار وعلى رأسها إيران و"حزب الله" وفقاً لأيديولوجيتها، لن تناقش القمة الأوضاع المأساوية للنازحين والقتلى في الموصل، لن تناقش القمة التقارير الأممية التي قالت أن 1400 طفل يمني لقوا مصرعهم بالجوع والمرض أو بالرصاص، لقد أضحى الوضع العربي مأساوي عندما فقد الجميع الرؤية وتحول من القيادة إلى الانقياد.
وفي نفس السياق يرى الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، "أن القلق يزداد مع كل قمة، وكم تمنينا في كل مرة أن تكون الأخيرة بعد أن بلغ الحال بالعالم العربي إلى هذا المستوى.
أما قمة هذا العام القلق عليها ومنها أكبر في ضوء ثلاثة تطورات، التطور الأول هو ما كشفت عنه إسرائيل من لقاءات سرية مع قيادات عربية؛ والثاني هو الحديث المتواتر حول تشكيل ناتو عربي لمحاربة إيران؛ والثالث هو الحديث المتواتر من إسرائيل منذ سبتمبر 2014 حول البديل لإقامة دولة فلسطينية، مع تشديد ترامب ونتنياهو على حل الدولة الواحدة، وتساءل الأشعل "هل القمة سوف تتصدى لهذا المخطط أم سوف تبحث في واجباتها لتحقيق السلام الإسرائيلي وتصفية القضية، خاصة وأن الأمين العام للجامعة العربية السابق متعاطف مع الحل الإسرائيلي والأمين العام الجديد موقفه معروف…فهل هذه القمة سوف تتخذ مسارا لدعم الحقوق الفلسطينية أم المخطط الإسرائيلي الأمريكي؟
وتمنى الأشعل ألا يجتمع هؤلاء القوم بأي وقت وفي أي مكان، لأن في اجتماعهم المزيد من القلق على ما تبقى من مصالح عربية، فماذا ينتظر من اجتماع أصحاب السمو والفخامة والسيادة، وهل تأمل الشعوب العربية خيرا من هؤلاء بعد أن أصبح موعد القمة ومكانها سببا للاضطراب في كل العواصم العربية، التحدي أمامهم، وأرجو مخلصا أن يخيبوا توقعاتي وأن تدب فيهم النخوة العربية، أخشى أن يشبه هذا المؤتمر مؤتمر فيينا عام 1815 الذي تضارت العروش به على الثورة الفرنسية.
ويشاركنا الرأي الدكتور إبراهيم ملحم، الكاتب الأردني، "وسط هذه الأجواء، تغيب القمة أو تكاد عن اهتمامات المواطن العربي الذي يعاني من غياب الأمن، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانحدار مؤشرات التعليم، والسعادة، حتى عند تلك الدول التي نجت من البراكين إلى مستويات مقلقة، فالمواطن العربي يرى أن القمم العربية المتعاقبة لم تستطع تحقيق أيّ تحول لافت في حياة الأمّة، في الوقت الذي كان فيه النظام العربيّ في ذروة تماسكه، وتمام عافيته، فكيف لهذا النظام أن يحقق شيئًا للأمة وهي في أدنى مستويات انحدارها وانقسامها على نفسها وهوانها على الناس؛ بعد أن تكالبت عليها الأمم كما تتكالب القصعة على أكلتها حتى حلّ الدمار والخراب والموت في كل مكان.
ويكمل ملحم، ما هو أهمُّ من القمة، ويستحق الالتفات إليه بحذر وترقّب، ما سيأتي بعدها من قمم ثلاث تنعقد بالتتالي في البيت الأبيض، في محاولة لفهم اتجاهات السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي تثير سياساته القلق إزاء كيفية تعامله مع القضية المركزية في الصراع، القضية الفلسطينية، وسط حديث عن صفقات سيجري إبرامها دون أن يعرف أحد تفاصيلها ومدى استجابتها للقرارات الدولية التي تؤكد على حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
لقاءات واشنطن في نيسان، لا قمّة قاع الأرض تحت سطح البحر في آذار، هي التي ستحدد ملامح خطوط الطول والعرض التي يجري ترسيمها بالبلطات والسكاكين وسط أعمدة الدخان والنار المشتعلة في منطقة مضطربة لا تشي أحوالها باقتراب فصل الختام لأهوالها وأوجاع شعوبها ومآسيهم المقيمة.
وفي الختام هل هي قمة عربية أم أجندات ملكية طرحت للتوقيع عليها، في أكثر الأماكن انخفاضاً على سطح الأرض "البحر الميت"…تُرى ما الذي ينتظر العرب بعد كل تلك الكوارث التي لم تفارقهم منذ عقود؟
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)