ولعل هذا هو الاستنتاج القاطع الوحيد الذي يمكن استخلاصه من تحليل الوضع بعد هجوم صاروخي أمريكي على الشعيرات القاعدة الجوية السورية. فلماذا أعطى الرئيس ترامب أوامره بتنفيذ الضربة؟
وأفاد موقع "برافدا" الروسي بأن لنفهم هذا، دعونا نعود إلى نهاية شهر مارس/أذار، في أرخانغيسلك وفي الندوة الدولية حول القطب الشمالي. قال الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو حينها خلال الجلسة العامة: ""نحن نفهم أن واشنطن وموسكو تعرفان بعضنا البعض بشكل جيد، ليس دائما تتفقان مع بعضها البعض، ولكنهما يدركون جيدا ما يفكر فيه الجانب الآخر، ولكن كيف ستتطور العلاقة بين الدولتين — هذا أمر مهم جدا بالنسبة للعالم كله، ونحن نتأمل بالأفضل".
هذه الكلمات تصف الأجواء التي سادت العالم بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة.
ويتضح هذا من كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "روسيا والولايات المتحدة هما قوتان نوويتان كبيرتان. نحن مسؤولين عن الأمن الدولي أمام هذا الكوكب، وأمام المجتمع الدولي، وكلما سارعنا في تحسين التعاون في المجال العسكري، سيكون أفضل.
كل هذا يعني أنه قبل ضرب ترامب لمطار الشعيرات، أو بالأحرى، قبل الهجوم كيماوي على خان شيخون، كان في جدول الأعمال الروسي-الأمريكي إقامة تعاون عملي في سوريا. ومن أجل مناقشة الأمر تم دعوة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى زيارة موسكو.
بعد الهجوم الكيماوي بإدلب قام ترامب بتوجيه ضربة بحوالي 60 صاروخا على مطار الشعيرات، القاعدة الجوية للجيش السوري، ويبدو أن السبب الرئيسي لقيامه بهذا هو بأنه لا يريد أن يكون مثل أوباما، الذي اكتفى بالإدلاء بتصريح عن "تخطي الأسد للخط الأحمر"، وأوباما لم يوجه أي ضربة. وبعد ذلك أصبحت روسيا الضامن لحل مسألة الأسلحة الكيماوية في سوريا.
أدلى ترامب بتصريح عن عملية عسكرية في سوريا، والحق في استخدام القوة العسكرية هناك. أما أوباما فلم يفعل هذا لأنه كان يعلم أنه سيؤدي إلى تصاعد في المنطقة. ترامب أيضا يعلم هذا، ولكنه يريد أن يظهر نفسه أقوى وأكثر تصميما من أوباما. نعم لقد فعل هذا، فاضطرت روسيا لرسم "خط أحمر" ممنوع على ترامب تخطيها وإلا فستبدأ المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة.
في الواقع، فإن هذا — أساس جديد للمفاوضات مع روسيا، يعتمد مبدأ زيادة قيمة الرهان. وهو الأسلوب المحبب للمفاوضين في مجال العمل التجاري، من حيث خرج ترامب وتيلرسون والعديد من أعضاء الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض.
إنه أسلوب مفهوم ومقبول بنفسه تماما. ولكن يستحيل التخلص من حالة التقزز عندما يخطر في البال، أن اللعبة التي بنت عليها الولايات المتحدة استراتيجيتها، قائمة على قتل العديد من الناس الأبرياء في خان شيخون.
وللأسف الشديد، هذا هو الواقع، وهذه هي "السياسة الكبرى" التي تنتهجها واشنطن.