لكن أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم يتمتع بثراء شديد يمكنه من تبديد أثر تهديد نزوح رأس المال عبر تسييل جزء فقط من احتياطياته المالية. وطالما أن الدوحة تستطيع الاستمرار في تصدير الغاز فمن المستبعد أن ينخفض ميزان معاملاتها الجارية كثيرا في المنطقة السالبة.
وبحسب "رويترز" تشير موازنة قطر إلى أن الدوحة بإمكانها الدفاع عن عملتها لسنوات في مواجهة عقوبات اقتصادية فرضتها عليها دول خليجية أخرى ومن ثم فإن من المستبعد أن يقع ربط الريال بالدولار ضحية للأزمة الدبلوماسية بالمنطقة.
ويعني ذلك أنه من المرجح أن يكون المستوى المربوط عنده الريال مقابل الدولار في السوق الفورية، والبالغ 3.64 ريال للدولار، آمنا في المستقبل المنظور. وسيكون أي قرار بتغيير الربط بالضرورة سياسيا وليس اقتصاديا.
وتنطوي الأسعار الآجلة عند مستوياتها المتدنية التي سجلتها اليوم على خفض لقيمة الريال بأقل من 2% خلال 12 شهرا قادمة.
ويمتنع الكثير من خبراء الاقتصاد لدى مؤسسات مالية في الخليج عن مناقشة الموقف في قطر علنا بسبب التوترات السياسية، لكنهم يقولون على نحو غير علني إنهم يتوقعون أن تدافع قطر عن عملتها بنجاح.
كتب كريس تيرنر، رئيس الاستراتيجية العالمية لدى اي.إن.جي الأوروبية "نحن لا نتطلع إلى إلغاء ربط العملة القطرية" لكنه وصف الضغط على الريال بأنه غير مسبوق وقال، إن تجارب دول أخرى في السنوات الـ25 الماضية تشير إلى أنه إذا تم إلغاء ربط العملة فإن الريال قد يهبط بما لا يقل عن 20 %.
بعد أن خفضت تصنيفها الائتماني لقطر إلى —AA هذا الأسبوع، قدرت وكالة "ستاندرد آند بورز" الأصول الخارجية السائلة للحكومة عند 170 % من الناتج المحلي الإجمالي أو نحو 295 مليار دولار، استنادا إلى تقدير صندوق النقد الدولي للناتج المحلي الإجمالي القطري.
وقد يأخذ نزوح رأس المال صورا عدة، إذ بدأ المستثمرون الأجانب بالفعل في بيع أسهم قطرية. وقد يعني الخروج الكامل للمستثمرين الأجانب نزوح تدفقات تصل إلى نحو 10% من سوق الأسهم أو ما يعادل نحو 15 مليار دولار.
وبلغت قيمة الالتزامات الأجنبية على البنوك القطرية 451 مليار ريال (124 مليار دولار) في مارس/ آذار، ومعظمها على هيئة قروض وودائع من بنوك أجنبية. وأقل من نصف تلك القيمة من بنوك في دول خليجية أخرى.
وبدأت بعض بنوك السعودية والإمارات والبحرين بالفعل خفض انكشافها على قطر، وقد يخفضون هذا الانكشاف أكثر إذا استمرت الأزمة الدبلوماسية وتلقوا أوامر بهذا من حكوماتهم. وقد تسعى الرياض أيضا إلى إجبار البنوك الأجنبية على الاختيار ما بين السوق السعودية والقطرية.
وإذا خفضت البنوك الأجنبية ثلثي انكشافها على قطر في الأشهر القادمة، فإن هذا ربما يعني نزوح أكثر من 80 مليار دولار إلى خارج البلاد.
أيضا هناك ميزان المعاملات الجارية. فقبل الأزمة توقع صندوق النقد الدولي أن يساهم ارتفاع أسعار النفط والغاز في تحقيق قطر فائضا قدره 1.2 مليار دولار هذا العام يرتفع تدريجيا إلى 4.7 مليار دولار في 2020 مقارنة مع عجز بقيمة 3.5 مليار دولار في العام الماضي.
ووفق حسابات "ستاندرد آند بورز" فإن 10% من صادرات قطر، التي يقدرها صندوق النقد عند 70 مليار دولار هذا العام، تذهب إلى دول حظرت التجارة مع الدوحة، ومن المرجح أن تزيد تكلفة الواردات بسبب إغلاق الحدود البرية مع السعودية.
وقد تزيد التكاليف أيضا في الوقت الذي تضطر فيه قطر، بسبب حالة العزلة المفروضة عليها، إلى دفع أجور أعلى للموظفين والعمال الأجانب الذين يمثلون أغلبية تعداد السكان البالغ نحو 2.6 مليون شخص.
وقد تكون النتيجة تسجيل عجز في ميزان المعاملات الجارية يصل إلى مليارات الدولارات سنويا مع استمرار الأزمة، وهو ما يمثل استنزافا للموارد وإن كان ليس أمرا محسوما بالنظر إلى أصول الدوحة.
وبسبب صغر حجمها وحقيقة أن العديد من بنوكها الكبرى مرتبط بالحكومة، فسيكون على الأرجح من السهل على قطر أكثر من دول أخرى فرض ضوابط على رأس المال إذا أصبح لذلك ضرورة لمنع المقيمين من إرسال مبالغ كبيرة من المال إلى الخارج.
وقال جيسون توفي، الخبير الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط لدى "كابيتال ايكونوميكس" في لندن، إنه لا يتوقع التخلي عن ربط الريال بالدولار. وحتى الرياض، التي تربط عملتها بالدولار للحفاظ على ثقة المستثمرين والحد من التقلبات في إيراداتها النفطية، قد تكون راغبة في تجنب دفع قطر نحو هذه الخطوة.
وأضاف "في النهاية، إذا اضطرت قطر إلى تخفيض قيمة عملتها، فقد تنشأ مخاوف جديدة بشأن ربط عملات أخرى بالدولار في المنطقة".