ولكن، هل توقفت المقاطعة عند حدود وقف رحلات الطيران أو وقف حركة الاستيراد والتصدير، فيما يشبه عقوبات اقتصادية غير مباشرة؟ وهل توقفت أيضاً الأزمة عند حدود إتاحة الفرصة لأي جهود وساطة؟
الحقيقة أن إجابة على هذا السؤال معقدة للغاية، فالمقاطعة لم تتوقف عند "الوقف"، بل تطورت إلى "التعويض"، مثلا؛ هناك اتفاقات جديدة حالياً بين كل من السعودية والإمارات تشمل مجالات الطيران والطاقة والتجارة، لتعويض ما يمكن خسارته من وقف التعامل مع دولة قطر، وهو ما يشير بشكل مباشر إلى أنه لا أمل في عودة العلاقات قريباً.
بالتالي، فإن الدولتين، ومعهما دول أخرى مثل مصر والبحرين واليمن وليبيا، تبحثان حالياً عن البدائل المتاحة للعلاقات مع قطر، إلا فيما يتعلق بالعمالة الموجودة هناك، وهؤلاء لن تدعهم قطر يغادرونها في سهولة، لأن حركة الحياة هناك تعتمد عليهم بشكل كامل.
وإذا أخذنا المصريين مثالاً، نجد أن أعدادهم هناك تقترب من 700 ألف مصري، يعملون في مختلف التخصصات، في الإعلام والصحافة والطب والهندسة والبترول، وتعتمد عليهم الشركات العالمية اعتماداً رئيسياً، وبالتالي فإن "أجازة لمدة أسبوع" قد تشكل كارثة، فما بالكم بمغادرة نهائية للعمل تترتب على المقاطعة.
منذ يومين، وقعت الهيئة العامة للطيران المدني السعودية، مع نظيرتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، مذكرة تفاهم لزيادة عدد الرحلات بين الدولتين بمعدل 469 رحلة أسبوعياً، وجرى خلال الاجتماع تمت مناقشة عدد من المواضيع المتعلقة بالنقل الجوي بين البلدين وسبل تطويرها.
وتباحث الطرفان في تعزيز سبل التعاون في مجال النقل الجوي بين البلدين وكيفية تطوير العلاقات الحميمة بين الهيئتين وبين الناقلات الجوية الوطنية للدولتين، لما فيه مصلحة مواطني البلدين الشقيقين والمقيمين. "ويجب التركيز في هذا الخبر على "المقيمين"، فهناك دلالة خاصة للأمر".
خلال هذا الاجتماع، تحدث مساعد الرئيس للسلامة والأمن والنقل الجوي ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني بدولة الامارات العربية المتحدة، الكابتن عبدالحكيم البدر، عن وجود "اتفاقات مهمة كثيرة وكبيرة وتشهد تطوراً نوعياً في مختلف المجالات، ومنها العلاقات الاقتصادية المميزة"، أي أن الإمارات والسعودية خلقتا البدائل على الفور، فلا حاجة للإبقاء على العلاقات مع قطر التي يمكن تعويضها.
وحسب الأكاديمي العماني الدكتور أحمد السلمان، المتخصص في الشأن الخليجي، فإن ما يحدث من اتفاقات بين السعودية والإمارات في الوقت الحالي، يعزز التعاون بين البلدين، ولكنه في الوقت نفسه رسالة إلى دولة قطر، أنه لا مكان لها في الساحة الخليجية، بعدما نصبت من نفسها عدواً، وترفض التراجع أو المراجعة، وهو ما يزيد الحنق تجاهها.
وأضاف السلمان، في حوار خاص مع "سبوتنيك"، "بمعنى أخر، السعودية والإمارات تغيظان قطر، والأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فكل يوم سيتم توقيع وخلق اتفاقات جديدة، الهدف منها زيادة مستوى التعاون، وتوجيه رسائل جديدة، والدولتان مستفيدتان على طول الخط، وكلما استفادت أي دولة كلما خسرت قطر".
وبالحديث عن الخسائر، فيجب أن نلفت هنا إلى أنه — حسب الصحف القطرية نفسها- وصل متوسط خسائر البورصة القطرية لكل ساعة تداول، منذ أن قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وليبيا والأردن علاقاتها بالدوحة، إلى نحو 2.6 مليار ريال قطري، إذ بلغ إجمالي الخسائر السوقية نحو 37.15 مليار ريال.
وحسب الصحف القطرية نفسها، ما زالت الأموال الخليجية والأجنبية تغادر البورصة القطرية، رغم محاولة المؤسسات والصناديق القطرية تجنب مزيد من الخسائر في البورصة، إذ سجل صافي مبيعات الخليجيين والأجانب منذ بدء الأزمة بنحو 820.28 مليون ريال، منها 584.6 مليون ريال أموال خليجية مقابل 235.7 مليون ريال قطري أموال أجنبية.
في الجلسة الرابعة للبورصة، الخميس الماضي، وهو اليوم الرابع منذ بدء الأزمة، حاولت المؤسسات والصناديق القطرية إدخال سيولة شرائية في السوق، إلا أنه في المقابل شهدت السوق استمرار خروج الأموال الخليجية والأجنبية، بصافي مبيعات 94.4 مليون ريال رغم المكاسب السوقية المحققة حينها.
وخفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، أخيرا التصنيفات الائتمانية لكبريات شركات النفط والغاز والصناعة والعقارات في قطر، وقالت إنها خفضت تصنيف كل من: شركة رأس غاز المتخصصة في مجال الطاقة والغاز، وشركة قطر للبترول، وشركة صناعات قطر. كما خفضت التصنيف الائتماني لشركة الديار العقارية المتخصصة في المشروعات العقارية، وشركة ناقلات المتخصصة في النقل البحري، علاوة على التصنيف الائتماني لمدينة راس لفان القطرية، وهي منطقة صناعية ضخمة لتسييل الغاز وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
كما خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، الرتبة الممنوحة لقطر إلى AA3 من AA2 مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة من سلبية، متوقعة أن تهدد القطيعة مع قطر بإعاقة قدرة هيئة الاستثمار القطرية على الاستمرار في احتلال العناوين الرئيسية من خلال صفقاتها العالمية.
والحقيقة أن هناك الكثير من الدول التي تخسر بدورها في الأزمة مع قطر، من بينها الأردن، التي لم تصل الأزمة معها إلى حد المقاطعة واكتفت بتسجيل موقفاً متضامناً مع الخليج، بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، ولكنها في مشكلة حقيقية بسبب إغلاق الحدود السعودية مع قطر، ما تسبب في خسائر كبيرة، لعدم تمكن الأردنيين من إدخال منتجاتهم الزراعية لقطر المحاصرة.
الأن، تتطور الأمور سريعاً، بشكل يفوق قدرة الوسطاء على الملاحقة، فهم يسيرون بوتيرة بطيئة، سيفاجؤون بعدها أن الفجوة أصبحت أكبر من أن تسدها بضع قبضات من التراب.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها).