كانت المحطة الأولى للرحلة من "ميدان السواقي"، أشهر ميادين الفيوم السياحية تزينه مجموعة من السواقي التي تعمل حالياً بطريقة ترفيهية لجذب السياحة، وعلى أرصفة الميدان كانت هناك أماكن مرخصة لبيع منتجات قرية "الإعلام" من الخوص والخزف، ونظراً لعمليات التطوير في الميدان تم إزالة تلك الأماكن، فلجأ تجار الخوص من القرية إلى عرض بضاعتهم على الرصيف حتى لا يفقدوا سوق رائجة لتصريف تلك المنتجات اليدوية النادرة.
وحكى لنا رمضان طايع — بائع — خوص، بأنه ورث هذه الحرفة عن أجداده، وهى مصدر الرزق الوحيد له ولأولاده، وانهم يقومون بالتصنيع اليدوي والبيع في السواقي واعطاء جزء من الانتاج إلى تاجر جملة، يقوم بتجميع الإنتاج من أهالي القرية ويتم تصديره لعدة بلاد أبرزها "قبرص".
وقالت "أم أشرف"، وهى تقوم بتصنيع بعض الأشياء من الخوص أننا نستيقظ من النوم صباحاً ونقوم بإيقاظ الأطفال والبنات، ويتم تناول أكواب من الشاي ثم نبدأ العمل، وتتخلل فترة العمل اليومية وقفات للإستراحة وتناول الإفطار أو الغداء، وعن كمية الإنتاج اليومي قالت، يمكن أن ننتج قطعة كبيرة أو قطعتين أو ثلاثة صغار، وهذا هو عملنا وفق سيناريو يومي.
وفي نفس السياق، قال لنا خالد أحمد خالد، أحد صانعى الجريد والخوص، إن قرية الإعلام عرفت صناعة الخوص ومنتجات النخيل فى بدايات القرن الماضى قبل ثورة 1919، عندما جاء مجموعة من المواطنين من محافظة أسوان لزيارة ذويهم وبصحبتهم بعض المشغولات المصنوعة من سعف النخيل، ومنذ ذلك التاريخ عرفت القرية هذه الصناعة واصبحت مركزًا لها بعد هذه الفترة، واحترف معظم قاطنيها هذه المهنة وكانوا يحققون أرباحًا كبيرة منها، ولكن مع التطور وظهور منتجات أخرى بديلة أصبح العاملين فى هذه الصناعة يعانون الآمرين فى سبيل بيع منتجاتهم التى كان يتهافت عليها السائحون والمواطنون فى باقى المحافظات، ولكن مع توقف حركة السياحة عقب ثورة 25 يناير بالإضافة إلى توقف المعارض ببعض المحافظات السياحية جعل الطلب على المنتجات ضعيفا للغاية.
ويشير إلى أنه ورث تصنيع منتجات النخيل عن آباءه وأجداده، لافتا إلى أن نحو 50 شخصًا يعملون فى هذه المهنة فى الفترة الحالية ولكن جميعهم يعانى من خسائر كبيرة بسبب حالة الركود واختفاء السائحين واصبحت "تلك التجارة مهدده".
وأكد عويس توفيق عويس، أنه امتهن صناعة الخوص منذ صغره بعد تعلمها على يد والده وأن قرية الأعلام كانت تشتهر بهذه الصناعة التى بدأت فى الاختفاء، بسبب البدائل الحديثة لها، لافتا إلى أن نحو 50 سيدة وفتاة يعملن معه فى صناعة الحصير والمصافى والمكانس والأسرة والأقفاص والكراسى، مؤكداً على ضرورة إقامة المعارض فى مختلف محافظات الجمهورية، إذ تساهم فى ترويج المنتجات وتعرف المواطنين بالحرفيين ويكون لها مردود إيجابى لتنشيط صناعة السعف.
وعن عدد الأسر العاملة في تلك المهن قال أحمد أحمد عبد الجيد: وصل عدد محترفى هذه الصناعة فى القرية لنحو 300 أسرة، بعض هذه الأسر يقومون بافتراش بضاعتهم أمام ميدان سواقى الهدير داخل مدينة الفيوم، باعتبار هذه المنطقة تجمع أبناء المحافظة والمحافظات الأخرى والسائحون الذين يزورون المحافظة، وكان يتجمع عليهم العديد من المواطنين والسائحين لشراء منتجاتهم.
نبذه تاريخية
"صناعة الخوص" من الصناعات الريفية البسيطة التي كانت تمثل مصدراً للرزق لآلاف العائلات "صناعة الخوص والجريد"، حيث تتم الاستفادة من "النخيل" وجذوعها، ولأنها صناعة غير مكلفة من ناحية المادة الخام، فقد انتشرت على مدار الخريطة المصرية حيث تنتشر أشجار النخيل، ومن أشهر المدن التي ظهرت فيها هذه الصناعة سيوة والفرافرة والداخلة والخارجة وأسوان والعريش والفيوم ورشيد.
الفكرة تتحدد فى إيجاد تصميمات جديد لصناعة الخوص اليدوي حيث أن هذه الصناعة من الصناعات التي يجب الحفاظ عليها، لأنها من الصناعات صديقة البيئة والتحدي يكمن فى فتح أسواق جديدة من خلال إيجاد تصميمات مبتكرة تسمح بذلك للأسواق المحلية والعالمية.
أنواع الخوص
الأول… هـو "لٌبة الخوص" وتتميز اللبة ببياضها وصغر حجمها وسهولة تشكيلها وتستخدم لنوعية معينة من الإنتاج.
والثاني.. من بقية أوراق النخيل العادية وهي أوراق أكثر خشونة وطولاً، ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكيلها، كما يتم تلوين الخوص ولا يكتفي باللون الأبيض أو الحليبي بل يتم صبغ الخوص بالألوان المختلفة، وتتوافر هذه الأصباغ في محال العطارة وتبـدأ الصباغة بغلي الماء في وعاء كبير وتوضع فيه الصبغة المطلوبة ثم يتم إسقاط الخوص المطلوب تلوينه ويترك لمدة 5 دقائق ثم يرفع من الماء ويوضع في الظل وبالنسبة للخوص الأبيض أو الحليبي فإنه يكتسب هذا اللون نتيجة لتعرضه للشمس فيتحول لونه الأخضر إلى اللون الأبيض.
طرق التصنيع
وعند تصنيع الخوص لابد من نقعه في الماء لتلينه سواء كـان خوصاً عادياً أو ملوناً لأن الصبغة لا تزول بالماء وبعد تطرية الخوص يسهل تشكيله ويبدأ التصنيع بعمل جديلة طويلة وعريضة متقنة الصنع متناسقة الألوان، ويختلف عرض الجديلة حسب نوع الإنتاج، وكلما زاد العرض كلما زاد عدد أوراق الخوص المستعملة وباتت الصناعة أصعب، وبعد صنع الجديلة يتم تشكيل الخوص بالاستعانة بإبرة عريضة وطويلة وخيط قد يكون من الصوف الأسود للتزيين.
إحصاءات رسمية
في مصر ثلاثة عشر مليوناً من أشجار النخيل "إحصاء 2007 وزارة الزراعة" منزرعة في مساحة 73653 فدانا تمثل 6.32% من إجمالي المساحة المنزرعة بالفاكهة في مصر، تضم الواحات المصرية الخمس ما يوازي خمسة ملايين نخلة موزعة على التوالي بين الواحات البحرية، الواحات الداخلة، الواحات الخارجة، ثم سيوة وتأتي واحة الفرافرة في ذيل القائمة.
بينما تتوزع الملايين الثمانية الباقية على التوالي في مناطق جنوب الجيزة "البدرشين والعياط"، قنا، غرب أسوان، النوبة، وفي منطقة رشيد ثم منطقة الفيوم.
وبرغم الانتشار الواسع لأشجار النخيل عبر الخريطة المصرية، فإننا لا نجد ازدهارا للصناعات القائمة على منتجات النخيل سوى في الواحات الداخلة، الفيوم، النوبة، سيوة.
وفي الواحات الداخلة لاتزال المنتجات من هذه الحرف تحافظ نسبيا على وظيفتها المحلية بالإضافة إلى جانب التسويق السياحي "النادر نسبيا" بينما نجد أن نفس المنتجات في الفيوم والنوبة وسيوة قد اقتصرت على التسويق السياحي فقط مع ضعفه الشديد.
والصناعات التقليدية القائمة على منتجات النخيل يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين هما منتجات الخوص "السعف" ومنتجات الجريد، ويأتي ليف النخيل كخامة مساعدة في هاتين الصناعتين.
وتتميز أعمال الخوص فى مصر بأن النساء يعملن في هذه الصناعة ويقمن بها إلى جانب أعمال البيت الأخرى، كما أنهن لا يتعايشن من هذه المهـن بل يعتبرن عائدها دخلاً إضافياً بعكس الرجال المحترفين الذين يعتبرونها مهنتهم الرئيسية التي يتقوتون منها.
والخوص عبارة عن أوراق سعف النخيل تجمع وتصنع باليد بطريقة تجديلة عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج ويتشابك السعف مع بعضه في التجديلة بعد أن يتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضه للشمس.