مسجد "النوري الكبير"، بناه مؤسّس الدولة الزنكية الأمير نور الدين محمود زنكي، في عام 1173 م، بمدينة الموصل، في محافظة نينوى العراقية، وكانت وقتها تعرف بأرض الشمال، ولكن شهرته لم تأت من مؤسسه فحسب، بل جاءت أيضاً من منارته الحدباء.
وحسب المؤرخين، فقد تنوعت أسباب بناء المسجد، فتقول إحدى الروايات، التي جاءت في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان: "كان سبب عمارته ما حكاه العماد الأصبهاني في البرق الشامي عند ذكره لوصول نور الدين إلى الموصل، أنه كان بالموصل خربة متوسطة البلد واسعة، وقد أشاعوا عنها ما ينفر القلوب منها، وقالوا: ما شرع في عمارتها إلا من ذهب عمره، ولم يتم على مراده أمره".
وعندما سمع نور الدين زنكي ما يشاع حول هذه الأسباب، قرر أن يتحدى الجهل، فقام — بعد مشورة من الشيخ معين الدين عمر الملا — بابتياع الأرض الخربة، وبنائها جامعاً، حيث أنفق فيها أموالاً جزيلة، كانت سبباً في تميزه العمراني، واتساعه من الداخل.
يشتهر الجامع بمنارته الحدباء، والتي تعد الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي، وبلغ ارتفاع المئذنة عند إنشائها 45 متراً، وكانت مستقيمة إلا أنّها مالت مع الوقت، ويظهر الطراز المعماري الإيراني في المنارة، سواء من ناحية الزخارف أو المعمار، والذي يسمى بالفارسية "هزارباف"، وكان معروفاً في بداية القرن الـ11 الميلادي.
وقد مر المسجد بفترات إهمال، كان أولاها بعد الغزو المغولي "التتاري"، وتحيط بالمسجد بعض الأساطير، فيقول بعض الناس إن المنارة انحنت للنبي محمد عند عروجه إلى السماء، فيما يؤمن المسيحيون بأنها انحنت تجاه قبر مريم العذراء، والذي يعتقد الناس أنه يقع في أربيل.
وعلى الرغم من توافر كافة الأدلة على أن تنظيم داعش الإرهابي هو من قام بتدمير المسجد، الذي كان أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش"، أعلن من على منبره في 2014، نفسه خليفة على المسلمين، إلا أن التنظيم الإرهابي يدعي أن الخراب الذي لحق به سببته غارة أمريكية.
والمعروف أن "داعش" استغل المسجد في تخزين كميات كبيرة جدا من الأسلحة، بما في ذلك المنارة الحدباء، ومنذ أشهر قليلة تكثفت المعارك في محيط المسجد، بعد أن استطاعت القوات العراقية اقتحام مدينة الموصل من أجل طرد التنظيم، وهو ما جعل التنظيم يلجأ إلى تفجيره.
وحسب بعض المحللين، ومنهم محمود زناتي، الخبير في الأثار، فإن التنظيم الإرهابي لم يقدر القيمة الحقيقية للمسجد، وحتى إذا كانوا أدركوها فإنهم ما كانوا ليتركوه للناس ليوقروه، فهم اعتادوا على نسف وتدمير كل ما له علاقة بالتراث والتاريخ، فهم دعاة خراب ودمار.
ويضيف زناتي، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن إرهابيي داعش تجاهلوا القيمة الأثرية للمسجد، وكان همهم الأول هو نسف كل ما يمكن أن يدل على هوية الأسلحة المخزنة في داخله، والتي لم يستطع الإرهابيون نقلها قبل أن تصل إليها قوات الجيش العراقي، لكي لا تفتضح هوية من يدعمون التنظيم بالمال والسلاح.
وأدانت منظمة الثقافة والفنون التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، بشدة، تدمير جامع النوري الكبير في الموصل ومئذنته "الحدباء" الشهيرة من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، واصفة الموقع بأنه رمز لهوية المدينة، وقالت إن هذا العمل "يعد مأساة إنسانية وثقافية".