كل ما سبق كان نتيجة لقرار سياسي في لحظة ما، وبالقطع ما سبق لا ينطبق على من فرض عليهم القتال للدفاع عن الأرض والعرض، لو كان العالم له نصيب من الإنسانية، لا يترك كل من تسبب في اندلاع حرب دون محاكمة، حتى لا تكون قرارات الحروب وقتل الأرواح بتلك البساطة.
لم نر في عصرنا الحديث حرباً استطاع أحد الأطراف حسمها بشكل كامل دون أن يكون للجانب السياسي دور كبير فيها وترتيب أوضاع ما بعد الحرب، هناك حروب استمرت سنوات طويلة وأخرى شهور وبعضها أيام أو ساعات، ثم المفاوضات والضغط على المهزوم أو الضعيف وتنتهي الأمور، وسرعان ما تشتعل الحرب في منطقة أخرى ولأسباب غير منطقية كان من الممكن التغاضي عنها أو بحثها بين الطرفين، لكن هناك مصلحة لطرف ثالث وهو صانع وبائع السلاح في تأجيج التوتر من منطقة لأخرى.
وحتى لا نذهب بعيداً عن موضوع المقال "الصفقة السرية بين السعودية واليمن لإنهاء الحرب"، عندما اندلعت الثورة اليمنية في العام 2011، لعبت السعودية دوراً كبيراً في إقناع حليفها الرئيس على عبد الله صالح بترك السلطة وتعيين رئيس جديد "مؤقت" لحين إجراء انتخابات، ورشح صالح وزير دفاعه "عبد ربه منصور هادي"، ولم تمانع الرياض نظراً لعلاقاته مع السعودية خلال سنوات الحرب ضد الحوثيين والجنوبيين في نفس التوقيت.
تولى هادي الأمور، وكانت القرارات تصدر من الرياض قبل صنعاء، الأمر الذي أوجد نوعا من الغضب والتذمر، إلى أن تم الاتفاق على مؤتمر للحوار الوطني في العام 2014، وحدثت خلافات كبيرة انتهت بالتحفظ على هادي من جانب الحوثيين بالتعاون مع قوات صالح، وتم إجبار "هادي" على تقديم استقالته كشرط لإطلاق سراحه، وهو ما حدث وغادر هادي صنعاء إلى الرياض، وأعلن تمسكه بالرئاسة وتراجعه عن الإستقالة.
في هذا التوقيت كان "أنصار الله" الحوثيين، قد اقتربوا من عدن، هنا طلب "هادي" وفقاً لاتفاقات سابقة من السعودية التدخل عسكرياً، وبالقطع لم يكن هذا بدافع شخصي من "هادي"، المقيم بالرياض، ورفعت الرياض وحلفاؤها رايات الحرب وكانت البيانات الأولى تحمل عبارات النصر، وأن المعركة سوف تستغرق ساعات أو أيام على أقصى تقدير.
ودون الدخول في التفاصيل الطويلة، ها هو العام الثالث للحرب ولم تحقق السعودية وحلفاؤها نصرا على الأرض، سوى ما قام به الجنوبيون دفاعاً عن قضيتهم "الاستقلال"، وقد تحدث لنا أكثر من قيادي جنوبي وأعضاء بالمجلس الانتقالي أنهم لن يقاتلوا باتجاه صنعاء، إن لم يعتد "أنصار الله" على حدود الجنوب التي سبقت الوحدة في العام 1990، وقد نشبت الصراعات بين المكونين الرئيسيين للتحالف في حرب اليمن "السعودية والإمارات"، كما أن توقيت إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، والصراع الدائر بين المجلس وحكومة "هادي"، جعل الصراع أكثر وضوحاً.
مع كل يوم يمر تخسر الرياض الكثير ويكسب "أنصارالله" الحوثيين، خبرات جديدة في فنون القتال والتمويه والحروب الإعلامية وحتى في تطوير السلاح، وهو ما ظهر مؤخراً في الضربات الصاروخية سواء على أهداف أرضية أو بحرية أو جوية، الأمر الذي يعد نقاط نوعية لم تكن في حسابات "الرياض" على الإطلاق، فتلك هى المرة الأولى التي تصبح فيها الأراضي السعودية تحت التهديد الفعلي للصواريخ اليمنية.
خلال الأشهر الماضية كانت هناك حملات إعلامية للتحالف تتحدث عن انشقاقات بين "أنصار الله والمؤتمر"، وهو ما كان يقابل بالنفي من كل الأطراف في صنعاء، كما تحدثت بعض الأوساط عن طلب الرئيس السابق "صالح" الحوار مع الرياض وهو ما تم نفيه في أكثر من مرة، ولا يمكن اعتبار تلك الأخبار نوعا من الفبركة نظراً لتكرارها، ولكننا نعتقد أنها كانت نوعا من التمهيد لما هو قادم، وما يبرهن على أن هناك صفقة يتم الإعداد لها في الخفاء بين أطراف الصراع في صنعاء وبين الرياض وبرعاية إماراتية، فللمرة الأولى يتقدم أعضاء في البرلمان اليمني بصنعاء بمبادرة لإحلال السلام، وقد تم عرضها ولكن لم تناقش حتى الآن، فكل الدلائل تشير إلى أن هناك صفقة ما سيتم الإعلان عنها قريباً.
وقد أورد موقع أمريكي متخصص في السياسة والشأن العالمي تحليلا أكد فيه أن هناك صفقة كبيرة للسلام في اليمن، لكنه وصفها بأنها ستكون "خاطئة"، ويمكن أن تؤدي إلى حرب لا نهاية لها.
ونقل عن تقارير موثوقة، أن هناك اتفاق سيخلق تحالفاً حكوميا مجدداً بين المؤتمر الشعبي العام والإصلاح، وتنصيب نائبه السابق ورئيس الحكومة خالد بحاح، على أن يكون أحمد علي نجل صالح وزيراً للدفاع، على أساس أن تكون هذه الصفقة تكملة للمبادرة الخليجية، مشيرا إلى أن هذه الصفقة تضع نجل صالح ليصبح حاكم الأمر الواقع في اليمن، تماماً كما يريد والده دائماً.
ويرى تحليل المنتدى الأمني الأمريكي، أن هذه الصفقة التي تم التفاوض عليها بدون مشاركة مبعوث الأمم المتحدة ستكون كارثية لليمن، لأنها مجرد تعديل من نفس النخب الفاسدة والجنائية القديمة التي كانت تدير اليمن في الأرض على مدى السنوات الـ 40 الماضية.
وأضاف " والصفقة هي أيضا وصفة للعنف المستمر، لأنها تفشل في معالجة المظالم المحلية التي تسببت في الحرب الأهلية الحالية، والأخرى الجديدة التي انبثقت عنها، حتى لو تخلى صالح عن الحوثيين في السعي للحصول على موافقة السعودية، فإن الحوثيين، وهم الآن أقوى حركة مسلحة في اليمن، لن يتخلوا عن رأس المال وغنائمهم الأخرى دون قتال آخر".
وأشار إلى أن الانفصاليين الجنوبيين، الذين يسيطرون حالياً على مقاطعات متعددة والعديد من الميليشيات القوية، لن يخفف من وعود غامضة بالحكم الذاتي بموجب هذه الصفقة الجديدة.
ولفت إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والفرع المحلي لـ"داعش"، وكلاهما حقق مكاسب إقليمية ومادية كبيرة منذ بدء الحرب، سيستمران في الازدهار طالما ظل اليمن غير مستقر، وسيظل الملايين من اليمنيين الأبرياء المحاصرين بين الجماعات المسلحة والسياسيين الضالعين في المجازفة يعانون من الجوع والمعاناة، في حين يتجول اهتمام العالم المتنقل إلى حرب جديدة.
ويقترح التحليل الأمني الأمريكي، من أجل تهميش الصفقة الكبرى بشكل فعال، على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبقية المجتمع الدولي تقديم إطارا يلبي مطالب ثورة 2011، التي دعت إلى وضع حد للحكم الفاسد والحكم الاستبدادي، وتسمح لحكومة تقوم على الجدارة والإرادة للشعب أن تأخذ الانتظار.
وأوصى جميع أطراف النزاع أن تتفق على أنه لن يسمح لأي فرد كان قد شغل منصب رئيس الدولة أو نال تعيين رئاسي في ظل الرئيس صالح أو إدارة الحوثيين — المؤتمر الشعبي العام بتولي المناصب العامة بعد كانون الأول / ديسمبر 2018، فاليمن لديها أكثر من ما يكفي من البيروقراطيين وقادة المجتمع المدني لإدارة الدولة دون مساعدة "أو عرقلة" من كبار السياسيين.
وشدد على ضرورة أن تشمل التسوية السلمية المساءلة عن الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع. وأكد اهمية ألا يتضمن اتفاق السلام أي وعود بالحصانة من الملاحقة القضائية، وينبغي أن تلغي اتفاقات الحصانة المدرجة في مبادرة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011.
كل الدلائل تشير إلى أن الرياض تريد الخلاص من هذا المستنقع وبأي ثمن، والحوثيون يعلمون جيداً أن خسائر الرياض في حرب استنزاف طويلة ستكون كارثية، كما أنهم يعلمون جيداً أن خسائرهم لن تكون كبيرة فليس لديهم ما يخسرونه، ولن تمر شهور طويلة إلا وسيعلن على الملأ تفاصيل هذا الاتفاق.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)