وتقول المجلة، التي تصدر كل شهر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بشكل مستقل، إن ما كان أكثر إثارة للدهشة عندما توجه رجل الدين العراقي مقتدى الصدر إلى الرياض لإجراء محادثات رفيعة المستوى بشأن تحسين العلاقات الثنائية مع السعوديين في 31 يوليو/ تموز.
وتضيف أنه كقائد عراقي، "يتخذ الصدر عادة خطاً قومياً. وعلى الرغم من تعقيد علاقته مع طهران بسبب قاعدته المستقلة للقوة والنداء في بعض الأحيان إلى الإحساس بالوطنية العراقية، فقد كان حليفاً إيرانياً مهماً لمعظم فترة ما بعد صدام حسين. ولا تزال ميليشياته "سرايا السلام" تتلقى دعماً واسعاً من الحرس الثوري الإيراني". وحسب المجلة، لكل هذه الأسباب، كان اجتماعه مع السعوديين، العدو العربي التقليدي لإيران، مفاجأة، على أقل تقدير.
وتقول المجلة، إنه على الرغم من أن هذه اللقاءات لا تزال في مرحلة مبكرة، فقد أثارت إمكانية الاستعداد السعودي لدعم العراق الذي مزقته الحرب، وتطوير التجارة والاتصالات بين البلدين، وإعادة فتح خطوط الأنابيب الضخمة التي تمر عبر المملكة من العراق إلى البحر الأحمر والتي تم بناؤها خلال الحرب الإيرانية العراقية ولكنها أغلقت بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990.
وحسب المجلة الأمريكية، فإنه من وجهة نظر الولايات المتحدة (والعراق)، يمكن أن يكون ذلك أنباء طيبة. وتشير إلى أن واشنطن قد حاولت عبثا منذ عام 2003 إقناع السعوديين ودول الخليج الأخرى بأن لهم دورا حيويا يلعبونه في استقرار العراق وإعادة تنظيمه الجيوسياسي، وأن انشقاق العراقيين سيقود ببساطة "شيعة البلاد" إلى أسلحة الإيرانيين، و"السنة" إلى أذرع الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش".
وتقول المجلة إنه على مدى السنوات الـ14 الماضية، حافظت المملكة على مسافاتها، معتبرة أن العراق قد أصبح بالفعل للإيرانيين، وأنه إذا لم يكن كذلك، كان من واجب الولايات المتحدة حل المشاكل التي خلقتها مع غزوها للعراق. لكن محمد بن سلمان كان على استعداد لإعادة تقييم السياسات القديمة والتنافس في المجالات التي تنازلت فيها المملكة عن لعب دور. وقد انتقد البعض النهج الجديد بأنه أحياناً "عضلي" جدا، وخاصة في حالة اليمن. إلا أن هذا الانفتاح على قادة الشيعة في العراق يوحي بأن السعوديين قادرون أيضاً على لعب لعبة سياسية أكثر صرامة.
وتضيف المجلة أنه يمكن أن يكون العراق مستفيدا رئيسيا من هذا التحول، وهذا من شأنه أن يكون مفيدا للغاية للجهود الأمريكية لتحقيق الاستقرار في البلاد في أعقاب هزيمة "داعش" الوشيكة. ويمكن للسعوديين أن يلعبوا دورا مهما في منع جارتهم الشمالية من الانزلاق مرة أخرى إلى الحرب الأهلية للمرة الثالثة. وقد يساعد نفوذهم مع الزعماء السنيين العراقيين والقبائل من محافظة الأنبار المضطربة على تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية تؤدي إلى حكومة أكثر تمثيلا في بغداد.
وتتابع المجلة، أن انفتاح المملكة العربية السعودية على العراقيين مهم أيضا، ليس فقط للعلاقات الثنائية، بل لإعادة إدماج العراق في بيئته العربية الأوسع. وعقب اجتماع الصدر مع ولي العهد السعودي، دعي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حقبة جديدة من الارتباط بين العراق ودول الخليج العربي. وزار أربعة وزراء خارجية عرب بغداد هذا الشهر.
وحسب المجلة الأمريكية، تتسم الأبعاد النفسية والسياسية لهذا الأمر بأهمية متساوية. على الرغم من أن العديد من الشيعة العراقيين لديهم قدر من الثقة بأن إيران سوف تدعمهم عندما لا أحد آخر، فإن معظمهم لا يحبون الطبيعة الطاغية للنفوذ الإيراني. لكن في الماضي، عندما حاول زعيم شيعي معتدل أن يصوغ طريقا بعيدا عن إيران، وجد أنه من المستحيل أن يحل أحد محل سخاء طهران وحمايتها. حيث لا تساعد الولايات المتحدة ولا الدول العربية، مما يجبر الزعيم المعتدل على العودة إلى إيران.
وتضيف المجلة، أنه يمكن للموقف السعودي المتجه نحو الأمام أن يعطي ثقة للسنة العراقيين للمساومة مع الشيعة في بغداد. ومع معرفتهم بأنهم يتمتعون بدعم قوي من الجيران، يمكن أن يكونوا أكثر استعدادا للتوصل إلى حل توفيقي. كما ينبغي لها أن تجعلهم أكثر ثقة بأن "المتشددين الشيعة" لن يتمكنوا من تجاهل مطالبهم المشروعة في مجالات مثل التمثيل السياسي والمنافع الاقتصادية. كما يمكن أن يساعدهم على تلبية احتياجات مجتمعهم بعد الدمار الذي ألحقه "داعش".
وتقول "فورين أفيرز" إنه في نهاية المطاف، لا يريد العراقيون أن يصبحوا تابعين وعالة على السعوديين، وهم يخشون من أن يصبح العراق ساحة معركة لحرب قادمة بين السعودية وإيران، ولكن البلاد ستحب أن تكون قادرة على الاعتماد على دولة إقليمية قوية أخرى لاستعادة التوازن مع سياستها الخارجية. ومن شأن تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية قبل الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2018 أن يسهل على العراقيين دعم المرشحين الأكثر اعتدالا الذين يمكن أن يساعدوا في سد الانقسام الطائفي، وليس الراديكاليين الذين مزقوا البلاد.
وتضيف المجلة الأمريكية، أن الجزء الصعب بالنسبة للولايات المتحدة هو مقاومة الإغراء بافتراض أن الدور السعودي الأكبر في العراق سيسمح بدور أمريكي أصغر. ولكن مهما كانت العلاقة مع المملكة العربية السعودية أفضل بالنسبة للعراق، فإن الرياض لا تزال عاجزة أن تحل محل واشنطن. وفي الواقع، يجب أن ينظر إلى الدعم السعودي على أنه تمكين الولايات المتحدة من القيام بالأشياء التي لا يمكن إلا أن تفعلها: مساعدة العراقيين على التوصل إلى اتفاق وطني جديد للمصالحة الوطنية وتقاسم السلطة بين السنة والشيعة، والمساعدة في إيجاد حل دائم لمركز كردستان العراق، وتخفيف تأثير إيران المفرط في دولة عربية ذات أهمية استراتيجية.