إعداد وتقديم نزار بوش
لم يعد من شك أن الولايات المتحدة وضعت قدمها على خط السباق نحو تحرير الرقة من تنظيم "داعش" الإرهابي التي أصلا هي صنعته باعتراف وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون، فالولايات المتحدة تبحث عن نصر لها على الأرض السورية بأي ثمن كان حتى لو قتلت آلاف المدنيين، لتظهر للعالم أن لها الفضل في هزيمة "داعش"، وكأنها تسابق الجيش السوري والحلفاء الذي يتقدمون بتسارع على جميع الجبهات ويحررون مساحات وبلدات كثيرة من سيطرة "داعش" و"جبهة النصرة" والجماعات المسلحة المرتبطة بهما، في حين نجحت روسيا بوقف هدر الدم السوري والحفاظ على ما تبقى من البنية التحتية السورية من خلال خطتها مع القيادة السورية بإيجاد مناطق خفض التصعيد، والآن تعمل روسيا على استحداث منطقة خفض توتر جديدة في إدلب من أجل الحفاظ على المدينة والسكان المدنيين فيها وتجنب تدميرها، وهنا بدأت بعض الدول تتسابق أيضا من أجل الوصول إلى إدلب ولا سيما تركيا، بتقديم خطة علها تحفظ ماء وجهها بعد أن أعطى الجيش السوري إشارات على أن معركة إدلب آتية لا محال إذا لم تتفكك الجماعات المسلحة التي تسيطر عليها وتخرج منها.
قال المحلل السياسي كمال جفا: هناك تدخل تركي استخباراتي وعسكري في إدلب، فلذلك لا يمكن أن تضحي تركيا بالأدوات التي صنعتها خلال خمس سنوات في مدينة إدلب، والكل يعرف أن هناك حوالي 50 ألف مقاتل من الجنسيات غير السورية الذين ينتمون إلى عدة تنظيمات جهادية عالمية لديهم خبرات قتالية متراكمة إن كانت في أفغانستان أو باقي مناطق الصراعات، وأنا أقصد هنا المكونين الأساسيين اللذين بقيا بعيدا هما أجناد القوقاز والحزب الإسلامي التركستاني، ولم يوجه التحالف الدولي أو تركيا إليهما أي ضربة، وهناك ما يشبه التفاهم بين روسيا وتركيا بعدم استهداف الجماعات المسلحة التي تتبع لتركيا، وأنا أقصد المشغلة من المخابرات التركية وتحديدا الحزب الإسلامي التركستاني وأجناد القوقاز وجيش المجاهدين، أعتقد أن تركيا ستقوم بعملية عسكرية لحفظ ماء الوجه، على أن ذلك جزء أساسي من جهود محاربة الإرهاب، لكن تركيا لن تمس التنظيمات الإرهابية المشغلة والتي تعبت عليها كثيرا في جبهة إدلب، ونحن أمام معركة سيكون فيها جزء من التمثيليات لأن بعض الفصائل تستعد لإعلان انشقاقها عن "فتح الشام"، فيما أصدرت تركيا شروطا جديدة لهذه الفصائل حيث أنذرتهم بالابتعاد عن فتح الشام وتطبيق ما يسمى الإدارة المدنية ومحاولة الانقلاب أو التشتت أو ترك جبهة فتح الشام للفصائل التي بايعتها مؤخرا والتي هي محسوبة بالأصل على ما يسمى الجيش الحر.
وأضاف الدكتور كمال جفا أنه رغم الخلافات بين الفصائل المسلحة في إدلب ولكن لن تضحي تركيا أو السعودية أو قطر بأدواتها في هذه المنطقة، لأنه هناك مصالح وسباق للسيطرة على الأرض، حيث تحاول السعودية بأي شكل لأن يكون له دور مستقبلي.
بينما قال الخبير العسكري العميد هيثم حسون: ما يجري في الرقة هو مجموعة من الصراعات متعدد الاتجاهات، هذه الصراعات نشأت على خلفية الفشل في إنهاء معركة ما تسمى تحرير الرقة لقوات سوريا الديمقراطية بقيادة أمريكية، وهذه الصراعات هي عبارة عن أساس لمعارك كانت مسرحية ووهمية بإدارة أمريكية، ومن خلال التنسيق بين ما تسمى "سوريا الديمقراطية" و"داعش" تحولت فيما بعد إلى معارك حقيقية بسبب لإفشال سوريا وروسيا لقصة إخراج "داعش" من الرقة بالاتجاه الجنوبي وباتجاه معدان شرقا، وهي أيضا ناتجة عن بداية تفكك "قوات سوريا الديمقراطية" كمكونات عربية وكردية بسبب استشعار بعض قادة العشائر العربية لخطورة وأطماع الكرد في بقعة جغرافية من الصراع، بالإضافة إلى أن الكرد بدأوا يستشعرون بخطورة عودة الولايات المتحدة الأمريكية للتحالف مع الأتراك على حسابهم، كل هذه التناقضات أدت إلى إطالة المعركة مع "داعش" في الرقة والتي كان من المفروض حسمها خلال وقت قصير، فبدأت الولايات تستهدف المدنيين والبنى التحتية لتغطية الفشل بإخراج قوات "داعش" من الرقة، ومن أجل منع تفكك "قوات سوريا الديمقراطية" وبالتالي من أجل العودة وتحقيق النصر على يد هذه القوات في مدينة الرقة يمكن أن تعزوه الولايات المتحدة لجهدها العسكري.
هناك شك بأن تستطيع "قوات سوريا الديمقراطية" على كامل مدينة الرقة أو المحافظة بشكل عام، وخاصة أن تقدم الجيش السوري بدأ خلال الفترة الماضية بشكل سريع باتجاه الحدود الجنوبية لمدينة الطبقة ومدينة الرقة، وهناك صراع داخل المدينة بين مكونات "قوات سوريا الديمقراطية" وبالتالي أعتقد أن هذه النتيجة لن يتم الوصول إليها في الفترة القريبة القادمة حتى لو استطاعت تلك القوات أن تسيطر على كامل مدينة الرقة، فهي لا تستطيع البقاء داخل المدينة خاصة وهناك صراع تاريخي بين المكونات العربية والمكونات الكردية على خلفية الاستشعار أنه هناك خطر كردي على المنطقة، مما يمكن أن يؤدي إلى نشوب صراعات وانقسامات في صفوف التنظيمات الموالية للولايات المتحدة وبالتالي يؤدي إلى صراعات عسكرية حاسمة داخل المدينة.
وحول الواقع الميداني في مناطق تخفيف التوتر قال الدكتور كمال جفا: بعض الفصائل في الجبهة الشمالية أرادت أن تحضر لعمل عسكري في الشمال، وتم توجيه إنذارات للمدنيين في المدن التي تقع على المحور من مدينة حلب وتم نقل بعض القوات لما يسمى "فيلق الشام" لكن لم يسمح لها، ولكن نؤكد أن التنظيمات التي تعمل على الأرض السورية تعمل بموجب أوامر خارجية أي غرف عمليات للإعداد لأي هجوم، عملية البدء بهذا الهجوم يحتاج إلى قرار خارجي سياسي يغطي هذا الفصيل أو ذاك، وبما أن تركيا وروسيا وايران بالإضافة إلى التفاهمات الأمريكية التركية توصلت إلى أن العمليات العسكرية في المناطق الأساسية للفصائل ذات الوزن الاستراتيجي والعسكري عدا "داعش" هي في الشمال السوري، وقد بدأ عمليا موضوع تطبيق وقف إطلاق النار في الجنوب بضمانة مصرية وأردنية، وكل فصائل الجنوب وكل العمليات المسقبلية الحربية قد انتهت، ولكن بقيت منطقة لم تخضع لاتفاقية خفض التوتر هي المنطقة التي تقع شرق مدينة السويداء إلى حدود التنف، أما بالنسبة لباقي المناطق فهناك اتفاق دولي وتوافق على أن يستمر الجيش السوري بالعمليات العسكرية على كامل الصحراء السورية، إن كان في تدمر أو وصولا إلى دير الزور أو الميادين والبوكمال، وأعتقد أن الخطوط الحمراء الأمريكية قد أسقطها حلفاء سوريا، ويستمر الجيش السوري بعملياته، لتحقيق الهدف الرئيسي والاستراتيجي الذي وضعته القيادة السورية وهو تحرير مدينة دير الزور، لذلك فيما بعد ستبدأ المشاكل بين الدولة السورية والعشائر والقوات الرديفة من جهة والتمدد الكردي في الشمال من جهة أخرى، طبعا هذا بعد الانتهاء من معارك دير الزور وتطهير الأرض السورية من "داعش".
وعن سؤال من الذي سيصل أولا إلى دير الزور والرقة وإدلب في هذا السباق أجاب الخبير العسكري العميد هيثم حسون: "إدلب الآن هي منطقة لتجميع المسلحين فيها بعد المصالحات التي تجري على الأراضي السورية، وتركيا لن تخوض معركة في إدلب بسبب وجود صعوبات دولية وإقليمية، أما بالنسبة لدير الزور فالجيش السوري يقترب من الحدود الإدارية لدير الزور من ثلاث اتجاهات، من اتجاه الغرب على محور معدان ومن اتجاه الجنوب على محور السخنة ومن اتجاه الشرق على محور الحميمة التي حررها الجيش العربي السوري وتقدم شمالها باتجاه البوكمال والميادين، وهذا الأمر سيجعل من الولايات المتحدة والمجموعات الكردية والعصابات التي تم نقل جزء من مكوناتها من المنطقة الجنوبية في وضع لا تحسد عليه في حال قررت التقدم إلى دير الزور، هناك مجموعة من القوات السورية وحلفائها داخل مدينة دير الزور وهذا الأمر يجعل الولايات المتحدة تظهر نواياها الحقيقية لأنها تساهم مع "داعش" في محاربة القوات السورية، أما بالنسبة للرقة فكما أصبح واضحا فإن الجيش العربي السوري طوق محافظة الرقة من ثلاث جهات وقطع طريق التواصل بين الرقة ودير الزور عن طريق معدان من خلال وصوله إلى وادي الفرات، وأيضا وصل إلى المشارف الجنوبية لمحافظة الرقة، كما رأينا منذ يومين محافظ الرقة ووزير المصالحة الوطنية على الحدود الجنوبية لمدينة الرقة، بالإضافة إلى أن الجيش السوري يطوق الرقة من الجهة الغربية، لذلك أعتقد أن السباق هو في مصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه في مدية دير الزور والأطراف الجنوبية للرقة، أما بالنسبة لإدلب فهي مؤجلة حتى إنهاء مناطق النزاع داخل سوريا.
وأضاف العميد هيثم حسون أنه لا توجد حرب أهلية في سوريا بل حرب دولية لها طابع داخلي، والدليل على ذلك عودة السكان بكل انتماءاتهم إلى المناطق التي يتم تحريرها.