حول سبب تخلي الزعماء الأوروبيين عن مشروع رحيل الرئيس بشار الأسد ومحاربة الجيش السوري وإسقاط النظام، قال الدكتور رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف: في الواقع الأسباب عديدة وليس هناك سبب واحد، أولا: الصمود الأسطوري للجيش السوري والشعب السوري والقيادة السورية، وقد كان هناك ثمة اعتقاد أن سوريا ستكون نزهة، أو على الأقل كليبيا يحصل فيها تدخل خارجي ويزال النظام بواسطة القوى الخارجية.
ثانيا: استطاعت سوريا الاعتماد على تعدد الموارد، حيث أن القيادة السورية عبأت موارد كثيرة ووجدت حلفاء صمدوا معها وعلى رأسهم روسيا والصين اللذان استخدما حق الفيتو أكثر من مرة، مع أنه فيتو واحد يكفي لإبطال أي مشروع ضد روسيا في مجلس الأمن ولكن كانت الصين تقدم كل مرة رسالة للعالم الغربي بأنها مع سوريا، وقالت أكثر من مرة اللعبة انتهت ولن نسمح بإسقاط أنظمة من الخارج، كما وجدت سوريا حلفاء إقليميين، ولكن في نهاية المطاف الصمود السوري هو الأهم.
ثالثا: أن الرأي العام الغربي والأوروبي ليس معاديا للدولة السوري والقيادة السورية منذ بداية الأزمة، حيث لاحظنا من خلال متابعتنا للصحف الفرنسية والسويسرية ووسائل الإعلام البديلة، فأيضا الموطنون الأوروبيون يرون دائما سوريا نظاما تقدميا علمانيا في وسط دول دينية وملكية واستبدادية مطلقة، بينما سوريا كانت دائما دولة تقدمية، وكان الرئيس بشار الأسد زار فرنسا ودولا أوروبية قبل الأزمة واستقبل وقدم في الصحافة نموذجا للحداثة والتقدم في منطقة فيها دول شديدة التخلف.
وتابع الدكتور رياض الصيدواي يقول: الذي حدث فيما بعد هو مخطط ضد سوريا فضحه وكشفه وزير الخارجية الفرنسي السابق الشجاع جدا رولاند ديما في برنامج تلفزيوني فرنسي شهير عندما تمت دعوته من قبل نظرائه الانكليز والأمريكيان وقال: نحن نعد مقاتلين أجانب وندربهم لضرب النظام وإزالته في سوريا، لأن هذا النظام يعاكس اسرائيل وهو النظام الوحيد الذي يرفض أجندة اسرائيل في المنطقة وقد أعبنا ونريد أن نتخلص منه لأنه دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
وعن التحول في لهجة حكومات بعض الدول الإقليمية والجارة تجاه الأزمة السورية قال الأستاذ خالد العبود عضو مجلس الشعب السوري: كان للأمريكي هدف هو إسقاط الحلف السوري الايراني والمقاومة، ولكن الدولة السورية استطاعت من خلال التحالف الإقليمي والدولي إفشال المشروع الأمريكي وأدواته الإرهابية والفوضى التي كان يشتغل عليها هذا المشروع، وفي نهاية المطاف لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها تمرير هذا المشروع، والذي حصل أن هذا المشروع قد سقط بأهدافه الأساسية، وقد قوي التحالف السوري أكثر بعد هذا العدوان فكان لا بد من أن يتراجع الأوروبي والأمريكي والأدوات الإقليمية وأن تنكفئ، وبالتالي النتيجة كانت هزيمة كبيرة للمشروع الأمريكي في المنطقة، وكل الذين خططوا لهذا المشروع مضطرون لهذه التكويعة.
وأكد الأستاذ خالد عبود أن الطرف الذي صرف مليارات الدولارات لإسقاط الحكم في سوريا هو في الساعات الأخيرة من المعركة، ولا نستطيع أن نقول أنه فشل تماما لأن المعركة قائمة وسوف تستمر.
وحول الدور الروسي في تحول سياسة بعض الدول الغربية من الأزمة السورية قال الدكتور رياض الصيداوي:
إن الدور الروسي كبير جدا وخاصة في مجلس الأمن حينما استخدمت روسيا منذ اليوم الأول للأزمة السورية حق الفيتو وتبعتها الصين لمنع تكرار سيناريو ليبيا والعراق، أي قصف وتدخل خارجي لا قدر الله، وقصف دمشق مثلما ما فعلوا في طرابلس وبغداد وممارسة سياسة الأمر الواقع، فالروس لم يتصدوا فقط نظريا على مجلس الأمن وإنما أرسلوا غواصات وحاملات طائرات واسلحة وطائرات، وقالوا نحن مستعدون أيضا للدفاع على الأرض، لأن الرسالة الروسية كانت واضحة أن سيناريو طرابلس لن يتكرر في سوريا، وهكذا حمت الدولة السورية نفسها من غزو خارجي رسمي، لذلك تم اللجوء إلى ما نسميه بالحروب السرية، أي حروب وكالات المخابرات السرية فتم إرسال عشرات آلاف الإرهابيين من أوروبا والمغرب العربي ومصر ومن دول أخرى، فمثلا كانوا يسمون هؤلاء الإرهابيين عام 2011 بالمقاتلين من أجل الحرية، وفي عام 2013-2014 بالجهاديين، ولكن بعد أن اكتوت عواصم أوروبية بالإرهاب بدأوا يسمونهم في عام 2015 — 2016 بالإرهابيين، وهكذا بدأ ينقلب السحر على الساحر، فالإرهاب الداعشي ضرب أوروبا، ورغم أن الرأي العام الأوروبي طرح سؤالا كيف نحارب من يحارب الإرهاب، فإذا كان الرئيس بشار الأسد هو العدو الأول ل"لقاعدة" ول"داعش" فلماذا نحن نحاربه ولماذا نعارضه؟ هذا ما يتساءل عنه الرأي العام الأوروبي، حتى أن صحيفة "فيغارو" الفرنسية اليومية أجرت تصويتا في موقعها على الانترنت حول شخصية الرئيس بشار الأسد، فكانت النتيجة أن 70% من الفرنسيين قالوا نحب بشار الأسد ونريده أن يبقى رئيسا، وهذا ما يعكس فعلا الرأي العام الأوروبي.
وعن السياسة الروسية السورية والحلفاء قال الدكتور رياض الصيداوي: أولا ما تتميز به السياسة الروسية والسورية والحفلاء بالالتزام والصبر والإرادة في إدارة الأزمة بكل عقلانية، فالقيادة السورية كلما دعيت إلى المفاوضات من أجل حقن دماء السوريين إلى جنيف 1-2-3- وإلى أستانا تكون جاهزة في كل المفاوضات السلمية لوضع حد للقتال مع براغماتية ووطنية، وقد أثبتت الدولة السورية أنها تدار من قبل قيادات محنكة سياسيا ودبلوماسيا، وهي في الواقع مدرسة، كما أن الجيش السوري أثبت أنه عقائدي على أرضه، ومنذ اليوم راهنت على صموده وانتصاره لأنه جزء من الشعب والدولة وأدرك مدى المؤامرة على سوريا، وهذا الصمود والإرادة مع وفاء القيادة الروسية وإيران والصين أدى إلى إفشال مخطط الإرهاب في سوريا.
إعداد وتقديم: نزار بوش



