قاتل سكان تلعفر جنبا إلى جنب مع القوات العراقية، لطرد مسلحي "داعش" من مدينتهم، واستعادة ممتلكاتهم المسلوبة، ارتدوا بدلات عسكرية، واشتروا سلاحا وذخيرة بما تبقى لديهم من مال، ليعودوا اليوم منتصرين إلى أرضهم.
بعد 10 أيام من القتال الشرس، عاد العلم العراقي ليرفرف من جديد على هامات منازل تلعفر، ليرفع مقاتلو تلعفر رؤوسهم مرة أخرى، ولتظل حكايات هذه المدينة وأهلها راسخة في وجدانهم.
بعدما صمتت فوهات المدافع وتلاشى صوت الرصاص، لم يكن السير بين شوارع تلعفر سهلا، فمهمة تفكيك المتفجرات وتطهير المدينة من مخلفات الحرب، وآلاف العبوات الناسفة التي زرعها الإرهابيون، لا تزال في بدايتها، وعلى جدران البيوت تظهر دائما كلمة "مفخخ"، أو "ممنوع الدخول…مفخخ"، بينما يتوجب على جميع المارين اقتفاء أثر المدرعات ومن سبقهم للسير وراءها بحذر.
"عقارات الدولة الإسلامية"، "وقف للدولة"، هكذا خطّ الإرهابيون على جدران منازل أهالي تلعفر، بعد استيلائهم عليها، وسرقة محتوياتها، لكنها عادت اليوم إلى ملاكها الأصليين، كما يوضح أبو جواد آمر فوج في الحشد الشعبي، قائلا:
"الدواعش أخرجونا من بيوتنا بلا إرادة، لم تكن لدينا قوة لمواجهتهم، اليوم حررنا مدينتنا، ونحن فرحون بذلك، وبإذن الله سنعيد أهالي تلعفر، وأهالينا لبيوتهم بخير وسلامة قريبا جدا".
عن شعوره عند عودته لمنزله، قال إن بيته في حي الكفاح الشمالي، الذي شاركت قوات الفوج في تحريره، موضحا:
"شعورنا لا يوصف، كيف أوصف شعوري بعد ما طلعت من بيتي مطرودا من 3 سنوات، ورجعت له منتصرا".
استغل الإرهابيون منزل الحاج أبو جواد كمضافة للمقاتلين الأجانب، بحسب قوله، لافتا إلى أن "الدواعش حولوا البيت لمدرسة ومضافة للمقاتلين الأجانب، كانوا يستقبلون فيه رحلات المقاتلين الذين يصلون إلى تلعفر من خارج العراق".
أضاف آمر الفوج "صار لنا ثلاث سنوات ننتظر بفارغ الصبر تحرير أرضنا، قاتلنا في كل المعارك، والحمدلله انتصرنا، ووصلنا تلعفر"، متابعا "نحيي فتوى المرجعية علي السيستاني، لولاه ما كان سيبقى العراق".
يقول علي فائق علي معاون آمر الفوج إن فرحته لا توصف بعودته إلى تلعفر على الرغم من أن الإرهابيين أحرقوا منزله بالكامل، قائلا "نحن أول مقتحمي المدينة، وفوجنا هو أول من وصل مركز تلعفر، فرحتنا لا توصف، كنا نشعر أننا ذاهبون للزفة، وليس للمعركة".
يضيف علي "بيتي في حي الكفاح الجنوبي، الدواعش أحرقوه بالكامل، بعدما أخذوا كل شيء منه، لم يبق منه شيء، ومع ذلك أنا فرحان بعودتي، غدا نعمره ونرجعه مرة ثانية"، متابعا "سنرجع طبعا، ولو ننصب خياما سنرجع، إرادتنا، وعزيمتنا قوية، لن نرحل عن أرضنا".
يتذكر علي يوم خرج نازحا من تلعفر، قائلا "أذكر يوم ما خرجنا، كان الوضع مأساويا لا يوصف، لا يوصف، طلعنا منهارين معنويا، لكن الآن معنوياتنا فول".
سألناه عن عائلته وأولاده الذين يقاتلون جنبا إلى جنب، فقال "لي أولادي يقاتلون في الحشد وفي القوات الأمنية، وكل أولاد وأهالي تلعفر انضموا للقوات الأمنية، قسم في الشرطة الاتحادية، والرد السريع، والحشد الشعبي، ليس هناك نازح بقي في بيته وهو يستطيع حمل السلاح، كلنا انضممنا لتحرير العراق"، متابعا "جبناها من جرف النصر، مرورا ببيجي، إلى مكحول، إلى تكريت، إلى الجزيرة، والآن دخلنا تلعفر"، موضحا "لا أعرف كم عددنا، لكننا لواء متكامل".
لم يجد حسن حسين علي، أحد مقاتلي الحشد الشعبي تلعفر، سوى ثمرة بطيخ لتناولها صبيحة إعلان تحرير مركز المدينة، جلس مستندا لجدار بلدية تلعفر يشارك مع زملائه المقاتلين نصف بطيخة في جو شديد الحرارة، رفض تصويره قائلا "لا تصورونا كي لا يقال أن الحشد فقراء".
يقول حسن الذي عاد إلى منزله بعد 3 سنوات كاملة من النزوح "حررناها، تلعفر تحررت، وعدنا"، وبسؤاله عن بيته، أجاب: "بيتنا في الشارع المقابل، ذهبت وتفقدته، واستعدته واستعادني".
أضاف حسن "تأذينا جدا، بس إن شاء الله نرجعه أحسن مما قبل"، متابعا بأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش- المحظور في عدد من الدول بينها روسيا)، استولى على بيته وحوله إلى مستوصف طبي، قائلا "حولوه لطبابة خاصة بهم".
دموع الفرح هي التي قادت حسن إلى منزله بعد تحرير حي القادسية، بعد أيام من بدء العمليات العسكرية لتحرير تلعفر، قائلا "دموع الفرح التي سبقت كل واحد منا عندما عدنا لبيوتنا، وكذلك ابتسامة النصر، وبشرى للعراق كله، خاصة لأهلنا التركمان".
خرج حسن وأسرته في حزيران/يونيو 2014، من تلعفر، بعد حصار التنظيم الإرهابي للمدينة، ولم يعد يريد تذكر تلك الأيام الحزينة، التي باتت ذكرى غير قابلة للتكرار، متابعا: "حاصرونا، ومنعوا عنا الأكل والماء، لم نستطع الدفاع بأسلحتنا البسيطة عن بيوتنا، هربنا عبر جنوب تلعفر، إلى مناطق خارج سيطرة التنظيم".
انضم حسن وأخواه الاثنان إلى الحشد الشعبي بعد فتوى المرجع الديني علي السيستاني، عام 2014، للدفاع عن العراق، قائلا: "أنا وإخواني الاثنين انضممنا للحشد، أنا جئت للقتال في تلعفر، لاستعادة بيتنا وأرضنا، وإخواني الاثنان في الموصل.