جدلية العلاقة بين "حزب الله" وروسيا
مع نشوء "حزب الله" اللبناني خلال ثمانينيات القرن الماضي، اتسمت نظرة الحزب السياسية والعقائدية للاتحاد السوفييتي بالعداء المطلق من خلال اعتبار أن العقيدة الشيوعية هي عقيدة خطرة على المجتمع الإسلامي وتتصادم مع دينهم وعقيدتهم التي كانت أساس نشوء تنظيمهم السياسي والعسكري.
الحزب الذي نشأ في لبنان، كان اصطدامه الأول مع الاتحاد السوفييتي من خلال التصادم الفكري والعسكري بينه وبين اليسار اللبناني وعلى رأسهم الشيوعيين اللبنانيين، حيث انزلق الحزب إلى تصرفات كانت متطرفة بحق اللبنانيين، ومارس بعض عناصره في عهد الأمين العام السابق صبحي الطفيلي، سياسة القتل والغدر بحق الكثير من الشيوعيين واليساريين، وارتدت العلاقة المتأزمة بين الطرفين إلى رد سوفييتي عبر دعم صدام حسين في حربه ضد إيران التي كانت تدعم "حزب الله" في لبنان.
كانت مواقف القيادة الإيرانية من الشيوعية شديدة العداء لدرجة أن تأثيرها وصل إلى لبنان عبر إطلاق مناصيري الحزب على الاتحاد السوفييتي لقب "الشيطان الأصغر" نظرا لسعيه تدمير المجتمع والأمة الإسلامية حسب رؤية الحزب العقائدية. لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي وبروز روسيا كوريث شرعي وقانوني للاتحاد على المستوى الدولي.
فرضت هذه التغيرات الدولية وصعود روسيا بدل الاتحاد السوفييني مراجعة رؤيوية وأيديولوجية للحزب لنفسه تجاه دول عديدة وأبرزها روسيا، فمع السنوات وبعد وصول قيادة حزبية جديدة وتسلم حسن نصرلله الأمانة العامة، أزال الحزب من شعاراته السياسية كرهه وعدائه للروس، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية بين التنظيم السياسي والدولة الليبرالية الحديثة وتميزت بالتهدئة والابتعاد عن المواقف السلبية. لكن سياسة الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين جعلت الحزب حذرا خصوصا مع تقارب العلاقات الروسية الأمريكية في تلك السنوات.
ولكن مع وصول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، ونجاحه في تغيير السياسة الخارجية الروسية وإعادة روسيا إلى الواجهة العالمية، ومع التقارب الإيراني الروسي الهادف لحفظ التوازن في منطقة وسط آسيا ولمنع انهيار منظمومة أمن بحر قزوين، بالإضافة إلى التقارب بشأن الوضع في الشرق الأوسط وغيرها من العلاقات الاقتصادية والعسكرية. انعكس كل ذلك بإيجابية على "حزب الله" وعلاقته بروسيا.
روسيا تشارك "حزب الله" في حرب تموز 2006
لا شك أن التفاهم بين "حزب الله" وروسيا لم يأت من العدم، فالمنظمة العسكرية التي قاتلت إسرائيل كانت بحاجة إلى السلاح الروسي الذي يعتبر الأفضل عالميا، وكذلك روسيا بالرغم من علاقتها الجيدة مع إسرائيل إلى أنها وضعت مصالحها في الواجهة من خلال عملية تسليح التنظيم، بالإضافة إلى تجربة بعض الأسلحة الحديثة خلال حرب تموز ضد إسرائيل والتي نجحت بإيقاف الدبابات الإسرائيلية من خلال صواريخ "كورنيت" الروسية، كما قام خبراء عسكريون روس بزيارة الجنوب اللبناني والتقو عددا من ضباط الحزب بعد حرب عام 2006 الأمر الذي قرب الطرفين أكثر من أي وقت مضى، هذا عدا عن اللقاءات السياسية والدبلوماسية المستمرة بين الطرفين.
ومع بدء الأزمة السورية وانخراط الحزب في الحرب السورية وانطلاق العمليات العسكرية الروسية لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، ازداد التنسيق والتعاون بين "حزب الله" وروسيا في سوريا ما جعل إسرائيل في حيرة من أمرها. لا شك أن هذه العلاقة بين الطرفين نتيجة تقاطعات سياسية واستراتيجية زمنية لكنها وضعت الولايات المتحدة وإسرائيل في وضع صعب، خصوصا مع اعتبارهم "حزب الله" منظمة إرهابية على عكس روسيا التي ترى أن الحزب منظمة تحارب "داعش" أكثر من أمريكا وتدافع عن أرضها من الحماقات الإسرائيلية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)