تغير حال تلك الجميلات — وهن مصايف محافظات الإقليم: أربيل، ودهوك، والسليمانية، حتى قبل شهرين كن يقدمن المرح والسعادة، والإنعاش لكل أهالي وسط وجنوب العراق، أيام هربهم من لسع الشمس في مدنهم وتسخينها حياتهم إلى ما يفوق غليان الماء.
وانحدر مستوى إقبال السائحين من مختلف مدن العراق، إلى إقليم كردستان، بنسبة كبيرة جداً، بعد الأزمة السياسية والاستفتاء الذي أجري في الإقليم يوم 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، ونال موافقة كبيرة من المواطنين الكرد تمهيداً لانفصالهم في دولة جديدة حلموا بها لسنوات طويلة.
السياحة سابقا:
تنطلق رحلتان في الأسبوع لكل شركة من أصل عدد كبير وهائل من الشركات السياحية من العاصمة بغداد، ومحافظات شمالي وجنوبي البلاد، على مدار السنة نحو السياحة في إقليم كردستان، الذي يتمتع بجمال ساحر من جبال وشلالات باردة تثلج الأصابع والأجساد في عز حاجتها للإنعاش من الحر.
تصطف حافلات شركات السياحة لمسافات طويلة، وهي تحمل أعداد كبيرة من السائحين إلى مصايف عقرة التابعة لمحافظة دهوك، ومنها سيبا، وكلي زنطة الجميلان، بشلاليهما وطبيعة الجو المنعش من أشجار البلوط، والتين والمشمش.
وكذلك الحال في مصايف شقلاوة… بيخال وكلي علي بيك، ومنتجعها السياحي الأجمل في الإقليم والعراق، بلعبته الشهيرة "شنكل بانة" تلك العربة السائرة بحبس الأنفاس فوق أعلى قمم الجبال، وأسواقها الفلكلورية والشعبية الغنية بالجرزات "من مكسرات وحلويات شمالية لها من الطعم الأطيب والأغرب بين باقي المحافظات".
لدرجة كانت مياه المصايف والأحجار التي صرتها الطبيعة على شكل مساطب تتكئ عليها الشلالات مثل الحوريات — وحولهن السواح من كل صوب، حتى في مصيف "سد دوكان"، الذي وصف بأنه يعادل جمال مثيلاته في عقرة وشقلاوة، كان الإقبال عليه كبير جداً.
حاليا:
لكن الحال تغير في الظرف الراهن، ألغت الكثير من الشركات السياحية في بغداد، والجنوب، والوسط، رحلاتها إلى مناطق إقليم كردستان لأسباب أولها الأزمة التي اندلعت بين الإقليم وبغداد بسبب استفتاء الانفصال.
وأسباب أخرى طبيعية، نتيجة بدء الموسم الدراسي مطلع الشهر الجاري، والانخفاض التدريجي بشكل متباطئ بدرجات الحرارة في وسط البلاد وجنوبها، وبرودة الأجواء في المصايف التي تفصلها أيام قليلة عن تجمدها تماماً ودخولها في سبات شتوي حتى موسم الربيع العام المقبل.
ومن مصيف سد دوكان في محافظة السليمانية، والذي نال إعجاباً وإقبالاً سياحيا كبيراً خلال الصيف من قبل السائحين من بغداد والمحافظات الأخرى، قال لنا الناشط كوران أزاد، إن الإقبال على المصيف ضعيف جداً — عائلات قليلة، وعدد من الشباب.
تحديات:
لكن…هناك الشركات السياحية ربما تعد على الأصابع، استأنفت رحلاتها إلى إقليم كردستان، ومنها شركة آران للسفر والسياحة، ومقرها في بغداد، وتواصلنا مع مالكها، فلاح زويني.
وكشف لنا زويني، قائلا: بعد الاستفتاء، وإعادة فتح الطريق نحو إقليم كردستان، توجهنا برحلة سياحية في "حافلة" واحدة فقط يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، والرحلة الثانية ستكون يوم غد 9 أكتوبر/ تشرين الأول.
وأضاف زويني، خفضنا سعر الرحلات إلى الإقليم، إلى 65 ألف دينار عراقي، بعدما كانت أكثر من 100 ألف، لأجل استقطاب السواح، ورغم الخسارة استمر عملنا، لكسر حاجز الخوف الذي تولد لدى المقبلين على زيارة مناطق الإقليم، وفتح الطريق مرة أخرى.
وأوضح زويني، في الرحلة التي انطلقنا بها بعد الاستفتاء، كان العدد قليلا نحو 25 شخصا فقط، بينما كان سابقا كنا نتوجه بحافلتين في الواحدة منهما 50 شخصا، مبينا المخاوف، نتيجة تعرض حافلات أكثر من شركة سياحية لاعتداء بالحجارة من قبل مراهقين في الإقليم تسببوا بتحطيم زجاج الحافلات وتضررها وهلع السواح، قبل الاستفتاء، بأيام قليلة.
تسهيلات:
وتدارك زويني، لكن السلطات في الإقليم، أصدرت قراراً عقب الاعتداء، بمعاقبة كل مواطن يتعرض لعربي، وسائح، يسجن 6 أشهر، ويدفع غرامة مالية قدرها مليون دينار عراقي، ما يعادل 800 دولار أمريكي.
وأكد زويني، أن إقليم كردستان قدم تسهيلات كبيرة للشركات السياحية، في الوقت الحالي، وجعل من الإجراءات سهلة جداً، سابقا كان هناك تأخر، لكن حاليا المعاملة للدخول تنجز بدقائق قليلة.
وألمح زويني، إلى أن الوقت الحالي، وقريبا ستنطلق رحلات سياحية أكثر إلى إقليم كردستان تزامنا مع هطول الثلج، والتوجه إلى جبل كورك، والتمتع بجولات "التلفرك".
وأطلعنا زويني في ختام حديثه لنا، على برنامج رحلة الشركة، عبر موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، للموسم الشتوي تضمن رحلتين الأولى من خمسة أيام إلى أربيل وشقلاوة وعقرة بـ60 ألف دينار، وبرنامج أخر من أربعة أيام بـ50 ألف دينار عراقي، كل يومي ثلاثاء وجمعة.
ويأمل السائحون العراقيون، أن تعود الرحلات مثل السابق، للتمتع بالثلج الذي لا يهبط سوى في الإقليم، بعدما تحسم الأزمة القائمة بين الحكومتين في أربيل، وبغداد التي ردت على الاستفتاء الذي أجري رغم رفضها، بعقوبات وحظر جوي وبري، وإغلاق للمنافذ الحدودية مع دول الجوار تركيا، وسوريا، وإيران.
ويذكر أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، تعهد خلال حضوره جلسة مجلس النواب، في وقت سابق، من الشهر الماضي، بفرض "حكم العراق" في كل مناطق إقليم كردستان بواسطة ما سماها "قوة الدستور"، فيما أكد أن حكومته ستدافع عن المواطنين الكرد داخل الإقليم وخارجه.
وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت، في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، أمرا يقضي بإيقاف إجراءات استفتاء كردستان، مؤكدة أن قرار الاستفتاء غير دستوري، ولكن سلطات الإقليم أصرت على إجراء الاستفتاء في 25 من الشهر المذكور.
وأعلنت السلطات العراقية، في وقت سابق، أنها لن تجري مفاوضات مع سلطات الإقليم بناء على نتائجه، كما أعربت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عن معارضتهما لهذا الاستفتاء، وبدأت كل من تركيا وإيران بمناورات عسكرية في المناطق الحدودية للإقليم، كما أغلقت إيران أجواءها بوجه الطائرات القادمة من الإقليم.
ووفقاً لنتائج التصويت، التي أعلنت يوم 27 سبتمبر الماضي، أي بعد يومين من الاستفتاء، وصلت نسبة تأييد انفصال الإقليم عن العراق إلى أكثر من 92.7%، حسب النتائج المبدئية التي أعلنتها المفوضية العليا.