لتلك الحرب أسباب كثيرة منها ما هو معلوم بحكم مرور عقود عليها والبعض الآخر ما يزال في الأدراج المغلقة لم يتم الكشف عنه، ومن الأسباب المعلومة لتلك الحرب، أن القيادة المصرية لم تعترف باسرائيل، وتؤكد مرارا على أن ماحدث في فلسطين هو حالة استثنائية ومؤقتة، وسيتم إزالتها من الوجود في الوقت القريب، والسبب الآخر الداخلي، هو إعلان الرئيس عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس المصرية، وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية، مع الاحتفاظ بحقوق المساهمين الدوليين فيها، بعد رفض البنك الدولي والغرب تمويل مشروع السد العالي، وهو ما اعتبرته بريطانيا التي احتلت مصر لمدة 70 عاما بمثابة إعلان لحالة الحرب من جانب مصر ، والسبب الآخر هو الدعم اللا محدود من جانب مصر للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي.
#مصر_تشتهر_بي الدبابة المدمرة آرتشر تابعة للجيش المصري خلال العدوان الثلاثي عام 1956 pic.twitter.com/FQzLpnjV3P
— ابـو عـزوز🇸🇦 (@ant_7lmee) August 24, 2017
من خلال الاسباب الثلاثة السابقة، يتبين أن كل عضو في تلك الحرب كان له أسبابه التي يراها، والتي تدفعه للحرب ضد الحكم في مصر: إسرائيل، تريد تدمير تلك السلطة والتي ترى في بقائها تهديد لبقائها نظرا لمواقفها المعلنة تجاه الوضع في فلسطين، أما بريطانيا أو المملكة المتحدة، تلك الامبراطورية العظمى فترى أن الوضع الجديد في مصر كان سببا رئيسيا في كسر كبريائها وتأليب الشعوب التي تحتلها للثورة عليها، وهو ما لعب دور كبير في تقليص نفوذها، بل وانهيار تلك الامبراطورية فيما بعد، ورأت أن قرار التأميم الذي اتخذه عبد الناصر يعني نقضا لاتفاق الجلاء البريطاني عن مصر وإنهاء كامل للوجود البريطاني في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، وترك هذا الممر العالمي لتتحكم به دوله صغيرة "وفق رؤيتهم" أمر خطير.
أما فرنسا، والتي اشتعلت ضدها الثورة في الجزائر، فقد شهدت الدعم المصري الصريح والمعلن عبر إذاعة "صوت العرب"، فقد كانت تلك الإذاعة بمثابة غرفة عمليات الثورة الجزائرية من مصر.
وذكر لي الدكتور عبد القادر حاتم، وزير الإعلام المصري في العام 1956: " قبل الحرب كان عبد الناصر قد قال لي اذهب إلى فرنسا، وهناك ستقابل وزير الخارجية فأبلغه بأنك المسؤول عن إذاعة صوت العرب بمصر، وبالفعل ذهبت إلى هناك وتقابلت مع وزير الخارجية الفرنسى، فقال لي "أنت جاي تقول ننسحب من الجزائر وقمت بتهييج الشعب الجزائري كله في إعلامك، وتقولوا مليون شهيد وغير ذلك، وهل أنتم أحصيتم الـ مليون شهيد، وأعلم أن الجزائر هي أرض فرنسية فليس لكم ولا لهم الحق، فنحن الذين صنعنا هذه الأرض ثقافيا وأنشأنا فيها كل شيء"، فقلت له عبارة "إنه من الأفضل لفرنسا أن تترك الجزائر والجزائريين أصدقاء وبهم الثقافة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان، التي ذكرتموها في عام 1889م، وما جاء بالثورة الفرنسية من الإخاء وغيره، وأن تكون هناك صداقة بلا دماء بين الشعبين وعلاقة ودية أبدية"، فقال لي "لو تماديتم في إعلامكم ضدنا في الجزائر سنضرب صوت العرب بتاعتك دى"، وكانت معي نوتة "أكتب فيها أن عندهم هدف لو حدث أي شيء سوف يقوموا بضرب إذاعة صوت العرب".
(Suez War)
— A S H (@Ash__Baraka) November 2, 2017
Suez. 1956. Israeli Prime Minister Ben GURION.
📷 Burt Glinn#MASRZAMAN pic.twitter.com/Esv3CpXGpF
ولذلك عندما اندلعت حرب 1956 كان مخططهم، والقول لعبد القادر حاتم، ضرب "صوت العرب"، وقبل نزولهم بأيام أذاعوا إنذارا للمواطنين بأنهم سيقوموا بضرب "صوت العرب"، وكان هذا الإنذار يوم الثلاثاء وعبد الناصر سيخطب يوم الجمعة.
وبالفعل تم ضرب "صوت العرب"، بحسب وزير الإعلام المصري الأسبق، الذي قال: "قال لي عبد الناصر هل رأيت "ملناش صوت خالص" فقلت له أنا عندي محطة سرية سوف أذيع منها، فسألني عبد الناصر، كيف عرفت أن صوت العرب ستضرب وعملت حسابك، فقلت له عندما أرسلتني إلى فرنسا قبل الحرب علمت ذلك من وزير الخارجية كنوع من التهديد، الذى أخذته على محمل الجد… وعندما حدثت الحرب وتوالت الأحداث اتصلت بلبنان وسوريا وأخذوا يذيعون صوت العرب من لبنان وصوت العرب من دمشق، وخطب عبد الناصر في يوم الجمعة المقرر "سنحارب… سنحارب… سنحارب"، وهنا انبهر العرب من انتصارنا السياسي في 1956.
"We are not at war with Egypt. We are in an armed conflict." (Anthony Eden, British Prime Minister, refers to the Suez Crisis, 1956) #quotes pic.twitter.com/DNV7qrLbRa
— Steve Roberts (@SRChristchurch) November 4, 2017
واستطعنا التواصل مع عدد كبير من أجهزة الإعلام المعارضة في العالم وكنت أعطيهم المعلومات بالحالة وأن الأمر هو اعتداء على قرارات الأمم المتحدة، وأنهم يقتلون الأطفال والنساء ويهدموا الكنائس والمساجد بمعنى أن العملية أصبحت عالمية.. ووقتها ظهر الرئيس الفرنسي والذي كان يلقى معارضة وقتها، وقال للجمعية الوطنية، لماذا تهاجموني بسبب الحرب على مصر، فالجيش رفع العلم الفرنسي في الإسماعيلية، وهلل الجميع ووصلنا الخبر وكان معظم الصحفيين الأجانب أصدقائي، وعملت لهم ناد خاص بهم ويتحدثون لي في أي وقت، وكان مندوب الوكالة الفرنسية في مصر وقتها صديقي وكنت قد وضعته مع الصحفيين الأجانب وكنت أذهب للعشاء معهم، وأَعلمهم بآخر الأخبار.
وقلت له ما قاله الرئيس الفرنسي، وأخبرته بأن عندي الآن سيارتين أتوبيس تأخذ كل الصحفيين وأنا معكم ونقوم بجولة صحفية في الإسماعيلية حتى تروا مبنى قناة السويس، وما إذا كان عليها العلم الفرنسي أم المصرى ولا أريد منكم إلا أن تقولو الحقيقة، وإذا لم تروا علما فقولوا "إن هذا الرجل يكذب على شعبه"، وذهبنا في ساعة ونصف وكان الرئيس الفرنسي مازال يخطب، ويقول إن فرنسا دخلت الإسماعيلية وبعد وصولي والصحفيين إلى الإسماعيلية وإلى مبنى قناة السويس.
اتصل بهم مدير الوكالة الفرنسية بالقاهرة، وقال لقد ذهبنا أنا و100 صحفي من جميع أنحاء العالم للبحث عن العلم الفرنسى في الإسماعيلية ومبنى قناة السويس فلم نجد شيئا، وقال في رسالته لرئيس الجمعية الوطنية بصفتك رئيس الجمعية الوطنية فأنا ومعي 100 صحفي نقول لك "كذاب كذاب كذاب"، ونرجو إعلان ذلك في الجمعية الوطنية وبعد نصف ساعة وجدنا كل الوكالة تقول إنه أخذ الرسالة وقرأها وقال لهم إن العالم كله يقول: "إن جي موليه كذاب كذاب كذاب"، واشتد الهجوم عليه واندلعت المظاهرات وبعدها انتهى جي موليه وسقط.
وهناك سبب آخر، لا يقل في الأهمية عن الأسباب السابقة وهو التوجه المصري نحو الشرق، وبصفة خاصة نحو الاتحاد السوفييتي، وقيامها بتوقيع اتفاقية مع موسكو تقضي بتزويد مصر بالأسلحة المتقدمة والمتطورة بهدف تقوية القوات المسلحة من أجل ردع إسرائيل، مع العلم أن توقيع تلك الاتفاقية لم بأت إلا بعد الرفض الغربي لتزويد مصر بالسلاح، ورأت إسرائيل أن تلك الصفقة تهدد بقائها فكانت أحدى دول الحرب.
#OTD 26 July 1956 Egyptian President Nasser nationalises Suez Canal leading to UK/France/Israel invasion @jacobinmag pic.twitter.com/pDEsl8oVOJ
— Gerry Hassan (@GerryHassan) July 26, 2017
الخطة السرية للحرب "بروتوكول سيفر"
في 24 أكتوبر/تشرين الأول، بعيدا عن الإعلام مضى رفقاء الحرب على معاهدة الحرب على مصر في ضاحية "سيفر" بباريس، وناقشوا الخطوط النهائية في الخطة "موسكتير"، ووقع الثلاثة تلك المعاهدة التي وصفت بنودها عالية السرية وفي الديباجة أكدوا أن بنود تلك الاتفاقية لا تنشر للأبد، وكانت بنودها تنص على:
* تقوم القوات الإسرائيلية بخلق حالة صراع مسلح على مشارف قناة السويس، لتستغلها بريطانيا وفرنسا كذريعة للتدخل العسكري ضد مصر.
* توفر القوات الجوية الفرنسية الحماية الجوية لإسرائيل، كما توفر القوات البحرية الفرنسية الحماية البحرية للمياه الإقليمية الإسرائيلية.
* تصدر بريطانيا وفرنسا إنذارا مشتركا لكل من مصر وإسرائيل لوقف أعمال القتال والابتعاد عن القناة مع قبول مصر احتلال منطقة القناة احتلالا مؤقتا، بواسطة القوات الأنجلوا فرنسية لحماية الملاحة البحرية فيها.
* تقوم القوات الجوية البريطانية بتدمير المطارات والطائرات والأهداف العسكرية المصرية، وتحقق السيطرة الجوية في سماء مصر.
* تدافع فرنسا عن موقف إسرائيل في الأمم المتحدة وفي الوقت نفسه تبذل بريطانيا جهودها بصفة سرية بالاتصالات الخاصة لمساندة إسرائيل دون أن تكشف علانية عن ذلك حتى لا يضار مركزها في الوطن العربي.
Britain's 1956 attack on #Egypt was supported by the imperialist British Labour Party, including Bevan who referred to Nasser as "Ali Baba". pic.twitter.com/NDjyc0siLg
— Empire Exposed (@EmpireExposed) May 29, 2017
ووقع الاتفاق كل من، باتريك دين، المستشار القانوني للحكومة البريطانية ، كريستان بينو، وزير خارجية فرنسا، وديفيد بن جوريون، رئيس الوزراء ووزير دفاع إسرائيل، واتفق الأطراف الثلاثة على أن يحتفظ كل طرف بنسخته ولا يظهرها أبدا.
وعاد بن جوريون بسعادة بالغة، وعاد إلى إسرائيل في نفس اليوم، ليبدأ خطوات العمل لتنفيذ تلك الخطة على الأرض في اليوم التالي مباشرة.
وبدأت الحرب الإسرائيلية على مصر من يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، وصولاً للإنذار البريطاني الفرنسي، لكل من مصر وإسرائيل يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1956، ومهلة الـ12 لوقف القتال "خطة سيفر"، وإلا سيتم التدخل العسكري لحماية الملاحة في قناة السويس، وبالقطع انصاعت إسرائيل على الفور لبنود الإنذار المليء بالمكاسب، والذي سيجعل مصر تسلم سيناء بمعداتها ومطاراتها، وتعود إلى غرب القناة 15 كيلومتر وأن تدير فرنسا وبريطانيا تلك المناطق، وكان الرد المصري حاسما بالرفض القاطع للإنذار بكل ما جاء فيه والتأكيد على المقاومة حتى النهاية.
في يوم الاثنين 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، بدأت الغارات الفرنسية البريطانية وأحرقت القوات البريطانية حي المناخ بالكامل بالنابالم، حيث يمثل هذا الحي ثلث المحافظة، وتناثرت الجثث بالشوارع، ثم قامت القوات الفرنسية والبريطانية بعمليات إنزال مظلي، وبرمائي والإنزال الرأسي بواسطة الهليوكوبتر البريطاني يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
بعد احتلال بورسعيد والسيطرة على 35 كيلومتر بطول القناة، كان الدول الثلاث ماضية في تنفيذ "خطة سيفر"، إلا أن الإنذار السوفييتي شديد اللهجة، حيث ذهب الزعيم السوفيتى، نيكيتا خروتشوف إلى مجلس الأمن في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1956، وخلع حذاءه وضرب به على منصة المجلس، وطلب في عبارة شديدة اللهجة تقول: "لقد عزمنا عزما أكيدا على سحق العدوان وإعادة السلام إلى الشرق الأوسط عن طريق استعمال القوة، وعلى دول العدوان الثلاثى أن تنهى عدوانها فورا على مصر، وتسحب قواتها، وإلا فإنه سيضرب لندن وباريس بالصواريخ النووية".
وهنا، ضغطت واشنطن على دول العدوان لتسحب قواتها، وبالفعل تحقق الانسحاب وحقق جمال عبد الناصر انتصارا سياسيا كبيرا وانتصرت الإرادة المصرية.