"تطعيم الخشب بالصدف" هو أحد الصناعات التراثية السورية التي تمتد على مدى قرون خالية يرجعها البعض الى كثرة أشجار البلوط في غوطة دمشق ووفرة المحار بمنطقة نهر الفرات، حيث كان له أثر كبير في ازدهار هذه الحرفة.
أما عامر أحمد وهو بائع في أحد محال القيمرية في الشام القديمة فلم يتوان عن التباهي بزيادة الطلب على تحفه وخصوصاً في سنوات الازمة السورية ورغم كل المنغصات الاقتصادية إلا أن تجارته على حد قوله ازدهرت وبشكل جيد في هذه الفترة.
وعن زبائنه الحاليين أوضح أحمد لمراسل "سبوتنيك" أن معظمهم من دول الخليج العربي المهتمون بالتراث السوري وكذلك بدأ القطر اللبناني أيضا باستجرار قطع أثاث من ورشتهم في الفترة الأخيرة ودخل إلى خط البيع لديهم مغتربون سوريين يحبون الاحتفاظ بشي من تراث بلادهم في الغربة ولكن طلباتهم لا توازي الزبائن الاخرين.
أما عن الأسعار فهي مرتفعة جداً تقابل مدى حرفية العمل وقيمة القطعة الفنية التي تنتج وثقل المواد المستخدمة والتي أوضح أحمد فيما يخص ذلك أن المواد حالياً تستجر من بلدان خارجية كالهند وغيرها وعن أسعار القطع فأوضح أنها تتراوح من بضع ألاف للقطعة صغيرة كصندوق المجوهرات وغيره وقد تصل الى عشرة ملايين ليرة سورية لقطع أثاث لغرفة الجلوس أو النوم أي ما يقارب 20 الف دولار أميركي وهذا السعر قد يعتبر مرتفعا جداً بالنسبة للسوق السورية أو للزبون السوري مؤكدا على أن تجارته قد يعتقد البعض أنها باتت أثرية ولا أحد يطلبها ولكنها اليوم تعتبر استثمار جيد جداً.
وبجولة ميدانية الى تلك الورشة التي تخبئ في شارع ضيق تراثي أيضاً ألتقينا بأبو محمد أحد شيوخ الكار في هذه المهنة كما يسمى، حيث شرح لنا ألية العمل المتقن الذي ينتج هذه القطع الفنية.
وركز شيخ الكار إلى أهم نقطة في المهنة وهو ورثتها من أبيه وجده اللذان كانا يعملان بها منذ سنوات بعيدة وهو اليوم ليسلمها لحرفيين مؤتمنين عليها كما قال
وبدأ أبو محمد بالتوسع بتفاصيل العمل ليقول:
في البدء تجلب الأصداف من البحر أو الأنهار لتأتي بعد ذلك مرحلة إعدادها وتصل إلى الشخص المسؤول ليقوم بعمله الفني تسمى أول عملية تلي الاستخراج عملية الصنفرة، وذلك إلى أن يصبح الصدف ذا ملمس ناعم ثم يقطع إلى شرائح رفيعة تسمى الواحدة منها مبرزة، ويصل سمك المبرزة إلى 2 و 3ملم ثم توضع إلى القطع المطلوبة بأشكال معينة مثل الشكل السداسي أو الثماني أو أية أشكال أخرى على حسب التصميم الذي يسعى المزخرف إلى تزيينه.
تعد المرحلة السابقة من أصعب المراحل، فعملية تقطيع الصدف من أدق العمليات في هذه المهنة وتحتاج إلى خبرة ومجهود كي تتم بالشكل المطلوب، فالصدفة الواحدة تحتاج إلى وقت طويل كي تصل إلى الشكل الذي يرغبه المزين وقد يصل الوقت إلى 5 دقائق، فحين أن القطعة بالكامل يمكن أن ينتهي العمل فيها بعد ثلاثة أيام إذا كانت صغيرة (مثل علب الضيافة أو الدخان)، ولستة أيام إذا كانت قطعاً أكبر ولثلاثة أشهر إذا كانت قطعة أثاث كبيرة مثل الكراسي.
يتم استخدام خشب الجوز لأنه سهل الحفر وقطعه كبيرة، ولونه بني محروق، متين، لا يتشقق مع الزمن، يرسم الشكل المراد حفره على ورق الكالك بقلم الرصاص وبعدها ينقلون الرسم بالخشب. ويمكن التنويع في مصادر الأخشاب المطعمة بالصدف من أجل تحقيق التميز في كل قطعة ينتجها ولذلك باستخدام أخشاب الحور والجوز والزيتون والشربين والميص والعرعر والدردار والصندل والصنوبر والسرو.
وأضاف أبو محمد أن الطريقة التي يتبعوها لتطعيم الخشب بالصدف هي الطريقة العربية القديمة وهي أصل الطرق المتبعة في التصديف وتحتاج إلى أيدي عاملة ماهرة وهذه الطريقة هي عمل القطعة كاملة من قبل النجار ثم يأتي الرسام ليصنع النقشة المرغوبة ثم عامل دق القصدير الذي يحفر مكاناً للخيوط القصديرية ويثبتها وبعدها يثبت عامل الصدف القطع المقطوعة حسب الرسمة، ويمكن استخدام النحاس والحديد داخل الصدف لتطعيمه، كما يمكن إدخال خيوط الفضة في القطع الثمينة الغالية الثمن.
في النهاية ختم شيخ الكار حديثه بعرض أنواع التصديف من حيث أحجام الصدف أو أشكاله أو طريقة تزيينها، فهناك التصديف العربي والتصديف المشجر والتصديف الهندسي، وفي هذا التصديف الهندسي لا يتم استعمال أصدافا كبيرة وإنما يتميز هذا النوع بصخر أحجام القطع الصدفية التي تزين العلب، وبالنسبة للتصديف المشجر نجد أنه يستعمل في تزيين القطع الكبيرة مثل الصناديق ويقصر استعماله عليها فقط أي تزيين الكراسي والقطع الخشبية الكبيرة وهو الذي يطلق عليه تماما التصديف الدمشقي.
اليوم لم تعد مهنة التصديف محصورة بصندوق العروس لا بل توسعت لتشمل الصناديق الصغيرة التي تقدم للسیاح وديكور المنازل والاسقف والمساجد والقصور وتطورت تقنيات هذه المھنة كذلك من حیث الشكل الهندسي وادخلت رسومات جديدة لم تكن معروفة سابقاً.
في النهاية تثبت هذه الصناعة التراثية أن الأيدي العاملة السورية راسخة دائماً ولم تستطع كل الازمات التي مرت على ثنيها وعلى الرغم من كل الأفكار عن اندثار أو تهديد للمهن السورية تثبت الايدي العاملة فيها أنها قوية وازدادت قوتها في سنوات الحرب لتشكل مصدر دخل عالي المستوى ولتؤمن لشباب السوري فسحة عمل جديدة لابد من اغتنامها.
حيث يقول حسين وهو أحد العاملين في ورشة أبو محمد أنه وبعد فقدانه لعمله في النجارة بسبب الحرب في منطقته توجه الى هذه المهنة التي تشكل له اليوم مصدر دخل لابأس به.
"التصديف السوري" مهنة عصية على الاندثار تملك الى جانب قيمتها التراثية قيمة اقتصادية هامة وتفرض نفسها على الأسواق الخارجية بكل مقوماتها.