وهنا يكشف لنا الكاتب الروسي لـ"سبوتنيك"، دميتري كاسيريف كل شيء بالتفصيل عن هذه القضية الشائكة التي بسببها توترت العلاقة بين البلدين في الفترة الأخيرة ووصلت إلى مستوى غير مسبوق من التدني، مؤكدا، أنه لا يريد أن يحفر في هذا الوحل، ولكن، في الواقع، فإنه من الضروري. أن يفهم الجميع مع من نتعامل.
اليد الخفية التي تعبث بأمريكا وروسيا
دعونا نبدأ مع هذا، يقول الكاتب: لمدة يومين كاملين، في نهاية الأسبوع الماضي، كانت كلمات ترامب تقريبا تتصدر الأخبار وعناوين الصحف في العالم أثناء زيارة ترامب لفيتنام، وبعد المحادثة الخاطفة مع فلاديمير بوتين…قال، إنه مرة أخرى سأل الرئيس الروسي عن ما إذا تدخلت روسيا بالفعل في الانتخابات الرئاسية في أمريكا، وكانت إجابته، بأن ذلك لم يحدث على الإطلاق، وأضاف ترامب، أن بوتين صادق فيما يقوله، وهو في الحقيقة غاضب جدا من هذه القصة ويعتبرها إهانة للولايات المتحدة وروسيا على حد سواء، مشيرا أنه يثق في بوتين لأنه بالفعل صادق فيما يقوله، مستطردا، أن هذه هي القصة إذا كنتم تريدون معرفة الحقيقة.
وأشار ترامب إلى أن العالم أصبح مروعا ومريضا، وحان الوقت لشفائه، وأن على روسيا والولايات المتحدة العمل معا لحل مشاكل عديدة مثل سوريا وكوريا الشمالية وأوكرانيا وتهديد الإرهاب".
وكان ترامب في وقت سابق قد وصف موظفي الاستخبارات الأمريكية في عهد الرئيس أوباما بعبارة قاسية وهي أنهم "هاكرز سياسيين"، وهذا في حقيقة الأمر يتعلق بالأشخاص الذين قاموا في الواقع بتعميم فكرة أن الجمهوريين وترامب قد فازوا بمساعدة "الروس" أو بالأحرى تدخل موسكو الرسمي في الانتخابات والتأثير على عقول الناخبين.
والهاكرز السياسيين هم شيء بين "صقور السياسة" و"السياسيين". والنقطة هي أن هؤلاء هم جزء من هيكل سياسي أو حركة. ومن أجل أفكار هذه الحركة، هم على استعداد للتضحية بأي شيء: المنطق والحقائق مقابل تحقيق قناعاتهم الخاصة.
لذلك وبعد تصريحات ترامب المؤيدة لبوتين وروسيا، فزع سياسيو أوباما (الصقور) وقاموا باستخدام أسلوبهم الأساسي وهو استخدام الصوت العالي للهجوم على ترامب ومحاولة شحن الرأي العام ضده بعبارات رنانة تثير سخط وغضب المواطنين ضده، فأسلوبهم يعتمد على أنه — ليست هناك حاجة لتحليل ما يقال حقا، ليست هناك حاجة للحقائق، ليست هناك حاجة للمنطق، فهم يرون أن الناس أغبياء، وأنهم لا يحبون المنطق. وأنه من الأسهل معهم — أن يصرخوا في وقت واحد. هذا هو: "كيف يمكن له؟" لا، ليس ذلك، ولكن ثلاث نغمات أعلى: "كيف يمكن له أن يثق ببوتين؟؟؟!!!".
ليس "الرئيس"، ولكنه "الرئيس"
ووفقا للكاتب، فأن الأكثر إثارة للاهتمام هنا هو ليس حتى كتابات الأيديولوجيين المهنية، ولكن ردود القراء الأمريكيين الموالين للحزب الديمقراطي على مقال محترف في صحيفة "واشنطن بوست" عن تصريحات ترامب، ونسرد هنا بعض هذه الردود التي لفتت انتباهنا، دون هذا سوف تفقد نصف متعة القراءة:
"انتقد وكالات الاستخبارات الخاصة بنا".
"أخذ رأي قائد هذه القوة العدائية بدلا من رأي أجهزة الاستخبارات الخاصة بنا، بدلا من الوقائع المثبتة للتدخل في عمليتنا الانتخابية الأساسية".
"إهانة لرئيس الاستخبارات في يوم قدامى المحاربين".
دع ترامب يعرف، أنها ليست "أمريكا أولا"، ولكن "روسيا أولا".
ويستشهد الكاتب هنا ببعض الكلمات من عمود في صحيفة "نيويورك تايمز" تتناول تصريحات ترامب بشأن روسيا، حيث تقول "تخيل النطاق الاستراتيجي والتاريخي لما قاله "الرئيس" دونالد ترامب، وقال إنه يؤمن بالنتائج الاستخباراتية لروسيا، وهي دولة معادية لهذا البلد، وليس في الاستخبارات التي توصلت إليها الولايات المتحدة ومؤساستها الوطنية…هذا بيان رائع، خيانة للثقة والمصالح الأمريكية التي تخطت خيانة الدولة…وفيما يتعلق بقضية روسيا التي انتهكت انتخاباتنا، فإن مصالح ترامب وبوتين تندمج ضد الوقائع وضد أمريكا"، وهذا أمر لا يغتفر".
ويستطرد الكاتب، هذا يحدث في وسائل الإعلام الديمقراطية الأمريكية كل يوم — حرفيا، بدون سبب أو بسبب نجد هجوم شرس وقاس على ترامب، فأن أي شيء يقوم به أو يصرح به، فذلك "أمر لا يغتفر".
ويستنتج الكاتب وفقا لبعض الملاحظات الأخرى، أن أمريكا أمام عملية ممنهجة ستؤدي إلى انهيار الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة من ناحية العقيدة أو التنظيم. فالديمقراطيون الخطيرون منذ وقت طويل يطالبون بإعادة هيكلة الحزب وتقسيمه لمجموعتين (اشتراكيين يساريين وعلمانيين)، ولكن الشيء نفسه — الانقسام — يحدث مع حزب الجمهوريين. ماذا سيحدث بعد ذلك، لا أحد يعرف. ولكن في الوقت الحاضر، نرى أن الديمقراطيين يحاولون هدم مؤسسة الرئاسة في الوضع الذي هو في أمس الحاجة للحفاظ على النظام معا.
وكان لذلك أكبر الأثر على تصريحات ترامب أو ما قام به خلال رحلته الطويلة الحالية لآسيا. حيث يرى الكاتب، أنه حاول عدم تكوين صداقات مع الصين وروسيا والفلبين. لقد حاول فقط الحد من حدة العداء مع هذه البلدان في وضع لم تعد فيه بلاده تفقد قيادتها العالمية فحسب، ولكنها تواجه عمليا خطر الانهيار.