هذا الانقسام اللبناني لم يخل اشكالات بين القوى السياسية اللبنانية في الشارع من خلال حوادث أمنية واشتباكات مسلحة في العديد من المناطق اللبنانية وكانت نتيجتها سقوط الكثير من الضحايا وذكرت هذه المرحلة الكثيرين بمرحلة مناخات ما قبل الحرب الأهلية.
لبنان كجلاد في الأزمة السورية
لعب لبنان دور أساسيا ومهما في اشعال الأزمة السورية من خلال فريق سياسي لعب دور رأس حربة خلال بداية الاحتجاجات في سوريا، وذلك كله بسبب معاداتهم للنظام السوري في لبنان. وكانت طرابلس محطة أولى للمعارضة السورية التي استطاعت حشد قواها من خلال الدعم المالي واللوجستي من قبل فريق مشارك في الحكم في لبنان، هذا الأمر ساعد المعارضة السورية واللبنانيين المناوئين للأسد على خرق سوريا وامداد الحركات المعارضة التي بدأت تنشأ في ذلك الوقت.
ولعب بعض النواب اللبنانيين دورا رئيسيا في مساعدة ما يسمى باللجان الثورية في مناطق مختلفة من سوريا، وانخرط الكثير من المواطنين اللبنانيين بالأزمة السورية التي اعتبرت للبعض مكسبا للرزق المادي وللبعض الأخر مكسب سياسي وشعبي، عدا عن لعب العلاقات العشائرية وصلات القرابة بين المدن والقرى عبر الحدود الشمالية اللبنانية السورية في امداد ودعم التحركات والجماعات الإسلامية التي بدأت تأخذ دورا في سوريا.
لبنان الصغير الذي يجاور سوريا من الشمال والشرق لعب دورا كبير في اشعال الحرب السورية عبر الممرات السرية على الحدود الشرقية والحدود الشمالية التي كانت مناصرة للثورة السورية مع بدايتها، وأدت سياسة "النأي بالنفس" اللبنانية بإضعاف المراقبة الحدودية وافلات بعضها الأخر لصالح الثورة.
ومع ظهور التنظيمات الإسلامية المسلحة من كتائب وألولية وبعدها تنظيم "داعش" الإرهابي المدعوم خارجيا، كان لبنان الممر الأساسي لهذه الجماعات، بالإضافة الى تركيا التي لعبت الدور نفسه.
لبنان كضحية في الأزمة السورية
لا شك أن دور لبنان في الازمة السورية ارتد عليه بشكل سلبي، حيث يؤكد الخبراء والإقتصاديون أن لبنان هو الأكثر تأثرا بالحرب السورية. فبحسب الاحصاءات تراجع الاقتصاد اللبناني منذ انطلاق الأزمة السورية في العام 2011 من نمو 7 في المئة سنويا الى نحو 2 في المئة. فارتباط الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد السوري الذي خسر حتى اليوم ما بين 70 و80 مليار دولار اميركي ولد فجوة عميقة.
وتواصل الأزمة السورية تأثيرها السلبي على لبنان على صعيد القطاع السياحي بالدرجة الأولى ، كما على الصعيد التجاري وتبادل البضائع وعلى مساعدات دول الخليج، وحتى على حجم التحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج. كل ذلك، بالاضافة الى التأثيرات السلبية الداخلية الناتجة عن الوضع السياسي المتوتّر على الساحة الداخلية.
مع بداية الحرب السورية كان لجوء السوريين الهاربين من الموت والمجازر الى لبنان الوسيلة الفضلى للبقاء حياً، ففاضت دول الجوار باللاجئين السوريين.
ويستقبل لبنان اليوم أكثر من مليون لاجئ سوري. حيث ساهمت بعض الدول بدعم مشاريع لإقامة مخيمات داخل الأراضي اللبنانية، التي تحول بعضها الى بؤر تحتضن ارهابيين ومطلوبين للدولة السورية واللبنانية. هذا الوضع ارتد على لبنان الذي دخل في أزمة أمنية من خلال خلايا ارهابية نشطت داخل المخيمات والتي تم استمالت رجالها لمحاربة "حزب الله" الذي يقف مع سوريا ضد حربها.
وشعهد لبنان العديد من التفجيرات التي استهدفت مناطق وأحياء داخل العاصمة اللبنانية وخارجها، ودقت السلطات الأمنية ناقوس الخطر بالمد الإرهابي الذي وصل الى البلدات الحدودية المجاورة لسوريا وأبرزها في البقاع والتي حاول من خلال "داعش" نسف العيش المشترك اللبناني من خلال تكفير الأديان والطوائف اللبنانية المتواجدة على أراضيه من ألاف السنين.
لا شك أن شعب لبنان ذاق طعم الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي وهذا المذاق بقي على ألسنة اللبنانيين وذاكرتهم وهم اليوم يعون مخاطر الحرب السورية وارتدادها عليهم، وبفضل حكمة القوى السياسية ومنها حزب الله والأحزاب الوطنية والجيش اللبناني الذين قادوا مواجهة مع الإرهاب لتخليص لبنان من نهج بدأ أعوجا من خلال قوى سياسية غطت ودعمت مجموعات وتنظيمات ضد سوريا وجيشها.
المضحك المبكي اليوم هو المتغييرات الاقليمية في المنطقة، واذا ما قمنا بتحجيم الوضع الى الجارتين سوريا ولبنان، نجد اليوم أن للبنان دور فاعل ومؤثر في سوريا على عكس السنوات الماضية حيث كان لسوريا ونظامها دورا أساسيا ومؤثرا في السياسة الداخلية والخارجية للبنان.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)