تقرير حصري ــ سبوتنيك. لم تكمل، رنا، تعليمها وتركت المدرسة المتوسطة، بعد تزويجها قبل أن تبلغ سن الـ13، لأبن خالتها الذي يكبرها ضعف عمرها مرتين، دون أخذ موافقتها حتى، وتتذكر كيف أنها كانت تتهرب منه ولا تخرج لملاقاته عندما يزور بيت أهلها أيام الخطوبة.
وفي ليلة العرس، همست شقيقتها بأذنها، أن زوجها سيفعل كذا وكذا لتصبح امرأة وأم، ذعرت وأحمر وجهها وتعرق جبينها وراحتا يديها خوفا وخجلا لدرجة أنها خلعت الطرحة أو "البرقع" وصرخت: لن أتزوج، كيف تسمحون بأن يعريني أحد، ألا تخجلون؟!
لكنها زفت وصعد بها زوجها إلى غرفتهم في الطابق الثاني من بيت أهله، وما أن مرت دقيقة حتى خرج يحمل منديلا مغطى بالدماء لتراه أمه وشقيقات عروسه، على أنها عفيفة وباكر، وهو رجل يعتمد عليه، حتى انهالت الـ"هلاهل" أو الزغاريت، عليه وهرولت النسوة إليها لمسح دموعها والتأكد من عدم تعرضها للنزف أو الأذى.
أخبرتنا رنا، وهي من مواليد 1995، أنها اغتصبت ليلة عرسها، ونادمة على زواجها، رغم أنه لم يكن لها أي رأي في الموافقة على الزواج، سوى الرضوخ أمام دموعها التي لم تسعفها أبداً في إقناع ذويها بالرفض والسماح لها بإكمال دراستها المتوسطة بعدما تفوقت في المرحلة الابتدائية.
الحرمان
تنتشر ظاهرة البحث عن زوجة صغيرة بين الأحياء الشعبية والفقيرة غالبا، وهذا لا يعني أن العائلات المتعلمة لا تزوج بناتها وأبنائها بسن مبكر، يحدث أن تفعل الكثير منها بحجج ودوافع مختلفة منها، لجعل الأبناء ينضجون لتحمل المسؤولية، ويلازمون البيوت وترك الشوارع.
ذلك الشارع الذي تخافه عائلات الشباب، يخافه أكثر ذوي الفتيات لاسيما في المدارس المتوسطة والإعدادية، أي المراهقات، مع انتشار استخدم الانترنت والهواتف المحمولة، وسهولة خداع واستدراج بناتهم من قبل مراهقين وحتى كبار يتجمهرون ويحومون قرب مدارسهن لتزويدهن بخطوط اتصال وهواتف وهدايا للتمتع معهن خارج المدرسة بعدما يهربن من الدوام سراً.
وما أن تسقط واحدة منهن بيد ذويها وهي تهاتف حبيبا أو عشيقا واحدا أو أكثر، حتى حكم عليها بالمنع من الدوام وترك المدرسة وتزويجها لأول من يتقدم بعد الفضيحة التي تعتبر سمعة سيئة في العراق، لدرجة تدفع الكثير من عائلاتهن مغادرة المنطقة إلى أخرى درءا للألسن ونظرات الجيران.
قاصر أخرى التقينا بها، تدعى "سرى" وهو أسم وهمي اختارته هي. مطلقة بعد زواج استمر 6 شهور فقط، وهي بعمر الـ15، جميلة وذات شعر أجعد، تحدثت عن تركها المدرسة بأمر من ذويها بعدما ضبطت وبحوزتها هاتف نوكيا قديم يسمى في العراق شعبيا "صرصور"، وتعترف أنها كانت على علاقات جنسية هاتفية فقط مع عدد لم تحفظه من الشباب والرجال، مقابل أن تحصل على رصيد لخطها السري.
منحها أبوها فرصة، لإصلاح سمعتها ورفع رأسه من التراب على حد ما عبره لها من حزنه وألمه، ولحبه الشديد لها وتعاطف معها كونها صغيرة ووقعت بالخطأ، بالعودة إلى المدرسة، وعادت وحصلت من مدرستها على فرصة لإعادة امتحان 7 مواد كانت قد رسبت بها أيام مغامراتها العاطفية والجنسية.
وتقول "سرى"، ذهبت إلى المدرسة برفقة زوجة أبي، وأكملت الامتحانات كلها ونجحت بتفوق حتى أبهر أبي وأهله بإصراري، وانتهى العام وانتقلت إلى الثالث المتوسط.
منعت سرى من رؤية المدرسة إلى الأبد بعد أن عادت إلى عادتها القديمة، واختارت أن توافق على زوج غير متعلم يعمل سائق لإيصال فتيات ملهى بعد منتصف الليل، وهي من الأعمال التي تعتبر مشينة في العراق، ولم يعلم أبوها بذلك لكنه لم يسمح لها بفسخ الخطبة.
تؤكد سرى أنها تعرضت لأبشع أنواع الضرب والتعذيب على يد زوجها عندما يعود إلى البيت في حالة من السكر، مما أدى إلى إذائها جسديا.
نالت سرى الطلاق، بعدما قبلت قدمي أب زوجها، وطلبت منه أن ينهي معاناتها، وكان لها ذلك، عادت إلى بيت أبيها بثوب واحد فقط، لم تسمح لها أم زوجها بأخذ مجوهراتها حتى سوارها من الذهب الخالص الذي حصلت عليه من جدتها التي تحبها، وهي من الكثيرات اللواتي انتهى زواجهن بعمر طفولتهن المسلوبة، بالانفصال.
انتحار
لم تحتمل توبيخ أم زوجها على طبخة الفاصوليا، لأنها استخدمت البصل في قلي اللحم بعد سلقه، بدل أسنان الثوم التي يعتبر أغلبية من العراقيين أنها تجنبهم من انتفاخات "وغازات" البطن لو استخدمت مع البقوليات.
تركت طفليها مع عمتها وصعدت إلى غرفتها وأشعلت النار بجسدها حتى لفظت أخر نفس بحياتها التي لم تشعل فيها بعد شمعتها الـ17، قبل أيام قليلة، وفقا لإحدى قريبات مراسلة "سبوتنيك" في العراق.
وغيرها الكثيرات من اخترن الانتحار على الاستمرار في زواجهن المبكر، عدا الآلاف غيرهن امتلأت بهن المحاكم لانجاز معاملات الطلاق والحصول على النفقة عليهن وعلى أطفالهن اللذين غالبا ما ينتهي مصيرهم مشردين في بيوت الأجداد بعد تزوج الأبوين مرة ثانية بزيجات أخرى جديدة.
تنفرد "سبوتنيك" بنشر إحصائيات تم توثيقها بعدد القاصرات المتزوجات في ثلاث محافظات عراقية، من الوسط والجنوب، لعام 2016، زودنا بها عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي البياتي.
وحسب الإحصائيات، بلغ عدد القاصرات المتزوجات في محافظة البصرة أقصى جنوب البلاد، (1138) فتاة، بينما في محافظة واسط بلغ عدد القاصرات المتزوجات (677) قاصرة، وبمدينة الديوانية 165 متزوجة بسن صغير.
وحسبما نوه البياتي، في تصريح خاص لمراسلتنا، اليوم الخميس، إلى أن إحصائيات المحافظات الأخرى غير مكتملة ومنها من يصعب توثيقها وتسجيلها كون الزواج يتم خارج المحاكم غالبا.
وفيات القاصرات
وحول وضع الزوجات القاصرات في العراق، تحدث الناشطة في حقوق الإنسان والمرأة خاصة، رئيسة جمعية الأمل للتنمية الاجتماعية، هناء أدور، لمراسلتنا، مشيرة إلى إحصائيات وأرقام وزارة التخطيط العراقية.
وأفادت هناء، بأن عدد الوفيات بين الأمهات حسب إحصائيات وزارة التخطيط، فأن النسبة الغالبة بينهن هن من الأمهات الصغيرات دون سن الرشد، بسبب وضعهن الجسمي والنفسي الذي لا يحتمل الحمل وإنجاب الأطفال.
وتقول هناء، إن الخطير في الموضوع هو أن هؤلاء الزوجات "القاصرات" أكثر من ينجبن الأطفال، وبسبب الفقر والوضع المتردي، يكون أطفالهن بصحة سيئة ويعانون من سوء تغذية وعوق، وأمراض مختلفة.
وأكدت أدور، أن المتزوجات في سن صغير، أصبحن أميات، بسبب التسرب من المدارس، فالكثيرات منهن يمنعن ويحرمن من الذهاب إلى المدرسة في سن الـ12، وتهيئ للزواج وهي لا تفهم شيء ولا تعرف ما هو الزواج والرجل، ولا تعرف وضعها الخاص وصحتها، ولا الحمل والإنجاب، ونفسيتها بسبب الحرمان من التعليم.
نسب ضائعة
وتطرقت أدور، إلى نسب نشرها مجلس القضاء الأعلى في العراق، بعدد حالات الطلاق المسجلة في المحاكم في البلاد، وتشكل 20% من عقود الزواج، وهي تعني أن خمس الحالات وهي نسبة كبيرة جداً، ناهيك عن النسب غير المسجلة للطلاق خارج الحكام.
أكملت الناشطة البارزة في حقوق الإنسان والمرأة، رئيسة جمعية الأمل للتنمية الاجتماعية، أن حالات الطلاق خارج المحاكم، ما أكثرها، وتتم بلا ورقة رسمية، وتبقى الزوجة معلقة بلا أوراق ثبوتية أو حقوق لها ولأطفالها الذين الكثير منهم بدون هوية أحوال مدنية، بذلك يحرمون من الذهاب إلى المدرسة والحقوق.