فلو قرأ، مثلا، رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تجربة الكويت في رفضها تواجد أمريكا في الخليج، لما قام بإخراج الأمريكان من العراق دون إيجاد بديل ناجع لخروجهم. فرفض الكويت للتواجد الأمريكي بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، أدى إلى دفع صدام حسين لغزوهم، وعملية إخراجهم من العراق عام 2011، أدت إلى فتح الباب على مصراعيه لإرهابي العالم من أجل استباحة بلاد ما بين النهرين.
ولو كانت إسرائيل تعول على الولايات المتحدة، لما امتلكت سلاحا نوويا، فهي تعلم جيدا انها تتعامل مع دولة تتبع نظام المزايدات، أو مبدأ من يدفع أكثر، فعندما تتعامل مع الولايات المتحدة كسياسي تحمل مسؤولية شعب كامل، يجب أن تضع في اعتبارك أنك تتفاوض مع شركة قطاع خاص، تقوم على أساس الربح والاستثمار، لذا يجب أن يكون منطلق المفاوض مبني على أسس السوق، مع الأخذ بعين الإعتبار كثرة المنافسين، الذي قد يدفعون أكثر. فالولايات المتحدة، وبحسب وجهة نظري، عبارة عن شركة تدار من قبل بريطانيا، نعم، فليس من المعقول أن يؤسس أبا ناجي" هكذا تكنى بريطانيا" دولة تبتلعها في المستقبل، وهي الدولة التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها والمعروفة بدهاء قادتها. والأخوة الأكراد وقعوا في فخ التعويل على الأمريكان، يحدوهم حلم الاستقلال ورؤية دولة يشعرون فيها بأنهم شعب له وطن يدافعون عن حياضه.
فتمت المباشرة في إجراءات الاستفتاء، والكل يحذر من هذه الخطوة، لكن ما قيمة تلك التحذيرات والعم سام قد تكفل بالموضوع، ولم يعلم الكرد أن موضوعهم تم عرضه في المزاد السري، من يدفع أكثر لإفشال مشروع الاستقلال الكردي، وأغلق المزاد على صاحب العرض الأعلى، ليدخل إلى جيب الأمريكان دخل إضافي، فأي قصر نظر سياسي يأتي بالفائدة على العم سام، والويل لصاحب الفكرة القاصرة. فالكرد يرتدون اليوم من الاستقلال إلى ضياع حقوقهم حتى في الحكم الذاتي، وسوف يضيع قادتهم السلطة التي توارثوها لعشرات السنين، بسبب عدم القراءة الصحيحة للوضع السياسي الدولي والإقليمي، قد تكون فكرة الاستقلال صحيحة في حالة كون العراق خارج دائرة الفلك الأمريكي، على اعتبار أن الولايات المتحدة سوف تفكر بأخذ الجزء نظراً لضياع الكل، إلا أنه وفي حالة العراق، فهو قد يتمرد على السياسة الأمريكية لا أكثر، إلا أنه لا يخرج عن فلك نفوذها، بالتالي تحرص الولايات المتحدة على أن يكون العراق الواحد تحت نفوذها، وإلا لما سعت إلى حسر التمدد الإيراني فيه.
سوف يستمر الأكراد في ضياع حقوقهم، وسيتولد لديهم شعور بأن الكل أدار ظهره، وسوف يسخطون على المجتمع الدولي، لذا، وإذا ما أرادوا الخروج من المأزق، عليهم الرجوع إلى الواقع، وإلى مربع ما قبل الاستفتاء، فالحلم قد يكون جميل، إلا أنه ينتهي بواقع.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)