إن عدد سكان اليابان يتقلص، ولأول مرة منذ قرن مضى تستقبل الدولة أقل من مليون ولادة في العام، إذ انخفض عدد السكان بمعدل أكثر من 300 ألف شخص، وفقا لتقرير على موقت "أتلانتك" الأمريكي.
قد يعزو كثيرون هذا الأمر (نتيجة للصورة التي انطبعت في أذهانهم عن اليابان)، إلى قلة اهتمام شباب اليابان بممارسة الجنس، وانشغال النساء بحياتهن المهنية عن الزواج والحصول على أسرة، لكن هناك تفسيرًا آخر لذلك، وهو قلة فرص العمل الجيدة المنتظمة للشباب وخصوصًا الذكور.
ويشير التقرير إلى أنه في البلد الذي لا يزال يُنظر فيه إلى الرجل على أنه عائل الأسرة، فإن الافتقار إلى الوظائف الجيدة، يخلق فئة من الرجال الذين لا يتزوجون، ولا يرغبون في تكوين أسرة أو إنجاب أطفال، لانهم هم وشركاؤهم المحتملون يعرفون أنهم لن يستطيعوا تحمل تكاليف ذلك.
وتقول آن أليسون، أستاذة الأنثربولوجيا الثقافية في جامعة ديوك، إن هذا يتفق مع الاتجاه العام في العالم، من حيث صعوبة إيجاد فرص عمل، وانخفاض معدل المواليد، وحتى انخفاض معدل الارتباط، بسبب انعدام الأمن الاقتصادي، لكن ذلك يبدو مفاجئا في اليابان، ذلك البلد الذي ينمو فيه الاقتصاد بقوة، ويقل فيه معدل البطالة عن 3 في المئة، غير أن تقلص الفرص الاقتصادية ينبع من ارتفاع العمالة غير المستقرة.
ومنذ سنوات ما بعد الحرب، يشغل اليابانيون وظائف ثابتة برواتب مجزية، ويمكن الاعتماد عليها حتى التقاعد، أما الآن، فإن 40 في المئة من القوى العاملة اليابانية "غير منتظمة"، أي لا يشغلون وظائف مستقرة، وبدلا من ذلك يعملون في وظائف مؤقتة وبدوام جزئي مع رواتب متدنية، ومع ذلك يتم احتسابهم ضمن العاملين بالإحصائيات الحكومية، وفقا لجيف كينغستون، الأستاذ في جامعة "تمبل" في اليابان.
ويقول كينغستون: "انخفض عدد العمال المنتظمين في اليابان بين عامي 1995 و2008 بمقدار 3.8 مليون عامل، في حين ارتفع عدد العمال غير المنتظمين بمقدار 7.6 مليون عامل"، ويشار إليهم في اليابان باسم "فريترز"، وهو دمج كلمة "فريلانس" مع الكلمة الألمانية أربيتر، ليكون المعنى "العامل الحر".
ووفقا لكينغستون، بدأ ارتفاع العمال غير المنتظمين في اليابان مع بداية التسعينيات، عندما أجرت الحكومة تعديلات على قوانين العمل لتمكين الاستخدام الواسع للعمال المؤقتين والعقود الذين تستأجرهم شركات وسيطة، وبعد ذلك، عندما فرضت العولمة ضغوطا أكبر على الشركات لخفض التكاليف، اعتمدت بشكل متزايد على قوة عاملة مؤقتة، وهو اتجاه تكثف خلال الركود الكبير.
واتفق ماشيكو أوساوا، الأستاذ بجامعة المرأة اليابانية مع كينغستون، قائلا: "هذا تطور جديد كبير في نموذج العمالة في اليابان، حيث يجد الخريجون الجدد صعوبة متزايدة في الحصول على موطئ قدم في سلم الوظيفة كموظفين عاديين"، ونظرًا لأن ثقافة الشعب الياباني تضع التركيز على الرجل كعائل للأسرة، فإن لذلك آثارًا خطيرة على الزواج والإنجاب.
والرجال الذين لا يمتلكون الوظائف المنتظمة، غير مرغوب فيهم كشركاء زواج؛ حتى لو كان الطرفان يرغبان في الزواج، وكلاهما لديه وظائف غير منتظمة، فمن المرجح أن يعارض الآباء إتمام هذه الزيجة، وفقا لما ذكره ريوسوك نيشيدا، الأستاذ في معهد طوكيو للتكنولوجيا، الذي يقول: "اليابان لديها ثقافة أنه من المفترض أن يحصل الرجل على عمل منتظم، فإذا تخرجت ولم تجد وظيفة كموظف عادي، ينظر الناس إليك على أنك فاشل".
وقال كينغستون إن 30 فى المئة من العمال غير المنتظمين، ممن هم فى أوائل الثلاثينيات، متزوجون، مقارنة بـ56 فى المئة من العاملين فى الشركات بدوام كامل. كما أن 70 في المئة تقريبا من النساء يتركن العمل بعد الإنجاب من أجل تربية الأطفال، ويعتمدن على رواتب أزواجهن، ما يستلزم أن يكون للرجل وظيفة مستقرة وبراتب جيد.
وكشفت دراسة استقصائية حديثة للسكان اليابانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، أن 70 فى المئة من الرجال غير المتزوجين و60 فى المئة من النساء غير المتزوجات ليسوا في علاقة، ويقضي كثير منهم حياته على المقاهي، بحسب التقرير.