منذ الخمسينيات لم يعش اليمن بلا حروب سواء في الشمال أو في الجنوب، ما بين الصراع مع الاحتلال إلى الصراع على السلطة، لم يسعد اليمن كثيرا ولم يعد سعيداً كما كان يٌطلق عليه، فقد خرج اليمنيون في عام 2011 من أجل رسم حياة جديدة لليمنيين بعيداً عن الدماء والصراعات الداخلية على النفوذ والسلطة والمال، خرج البسطاء أملاً في حياة هادئة بسيطة، لا دراية لهم بالسياسة ودهاليزها وألاعيبها وخداعها، لم يتصوروا يوماً أنهم كقطع الشطرنج لا تملك حرية الحرية بل على الدوام تنتظر من يحركها، لم يهنأ الشماليون بما ظنوا أنهم حققوه، حتى تدخلت القوى الإقليمية والدولية وأذرعها، لتفجير الأوضاع في الداخل، ثم إشعال الحرب لاستنزاف قدرات هذا البلد صاحب الموقع الاستراتيجي الخطير بالنسبة للعالم ليظل عقود طويله خانع تحت السيطرة نتيجة الضعف السياسي والاقتصادي، وفي المقابل تتحق طموحات بعض دول المنطقة في السيطرة على أهم المضايق العالمية التجارية، وقوى أخرى تجعل من الشمال حائط الصد لمعركة متوقعة مع خصم تقليدي "السعودية وإيران"، فاليمنيون تسيل دمائهم في معركة بالوكالة بعيداً عن أراضي الخصوم.
وحتى لا نذهب بعيداً عن موضوع المقال، فقد كان حزب المؤتمر والذي يترأسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح "الحليف القديم للرياض والخصم الجديد بعد تحالفه مع الحوثيين"، هو الورقة التي تشد من عزم أنصار الله في التصدي للتحالف في مرحلة ما، وفي نفس الوقت كانت الرياض ترى أن صالح هو من سينهي المعركة بالقضاء على أنصار الله في الوقت المناسب، فهم يعلمون جيداً الطموح السلطوي لدي صالح وأبنائه، لذا وطوال ثلاث سنوات عملت الرياض من خلال خطة إعلامية وحرب نفسية لتوسيع الشرخ وزيادة الشكوك بين صالح و"أنصار الله"، وهو ما نجحت فيه ولكن متأخراً، حيث أدرك الحوثي ما تخطط له الرياض.
لم يظهر "أنصار الله" استيائهم من تصرفات صالح، ومحاولات جرهم للصراع الداخلي مبكراً ليعود صالح المفاوض الرئيسي مع الرياض لوقف الحرب، فقد ظلوا يجمعون معلوماتهم منذ اليوم الأول وبشكل سري حول نشاطات صالح وأنصاره "المؤتمريين"، والحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي يقودها أحمد علي عبد الله صالح، وبدأوا في تضييق الخناق وتجريد تلك القوات من مكمن قوتها واستمالة بعضها وتغيير ولاءاتهم.
ما بين الحين والآخر كانت تتناثر بعض الأخبار عن مقتل ضابط مؤتمري أو القبض على آخر واحتجازه من قبل أنصار صالح، وفي أغلب تلك الوقائع كان يجتمع الطرفان ويبادر الحوثيين، بالحديث عن العدو المشترك ومصير اليمن، وأن تلك الأمور هى حوادث فردية.
في الشهور الأخيرة وبعد أن فرضت الأحداث نفسها بقوة على أرض الواقع، لم يستطع على عبد الله صالح الصبر بعد أن رأي بخبرته السياسية الطويله، أن أنصار الله "الحوثيين"، قد سحبوا البساط من تحت قدميه، فخرج مهدداً ومتوعداً وسط حشد كبير من أنصاره "اتضح فيما بعد أنه زائف"، وقرر إعلانها صراحه حرب جديده على "الحوثي"، بمباركة سعودية، ولم يدر في خلد الرياض وصالح أن الوقت قد فات، بل وضع الطرفان في حساباتهم إنهاء الحرب والقضاء على الحوثيين خلال أيام، لتبدأ مرحلة جديدة مع الحليف القديم لترتيب الأوضاع في اليمن.
لم يعلم صالح والمؤتمر أن "الحوثيين" قد قاموا بتلغيم وتفخيخ كل ما يرتكز عليه صالح بما فيه الحرس الجمهوري، وبدأت خطة صالح والرياض لإعادة صنعاء، وخلال اليوم الأول احتفلت كل قنوات التحالف بسيطرة حزب المؤتمر وقوات صالح على كل المناطق الحيوية والاستراتيجية في صنعاء، وبدأت التحليلات السياسية والعسكرية تتوارد حول القوة الضاربة التي كان يحتفظ بها صالح، وقد ذكر الخبير العسكري السعودي عبدالله غانم القحطاني في بداية معركة صالح و"الحوثيين"، أن التحالف كان يعمل بالفعل على خلخلة الأوضاع في العاصمة صنعاء لفك الارتباط بين "الحوثيين والمؤتمر"، مؤكداً أن التحالف بقيادة السعودية يعلم جيداً أن تكاليف دخول صنعاء ستكون خسائرها كبيرة جداً.
لم تمر ساعات طويله، إلا وكانت كل الأخبار تؤكد أن حدث جلل قادم، بدأ أنصار صالح يغيرون ولاءاتهم مع اشتداد المعركة، وظل صالح يتنقل من منزل إلى آخر بشكل سري وحذر جداً، فلم يكن هناك استعمال لأي من وسائل التكنولوجيا خوفا من عمليات الرصد، إلى أن عرضت قطر الوساطة، وتم عرض الأمر على صالح ووافق الطرفان، وتم إجراء أول مكالمة هاتفية، وهنا تم تحديد موقع صالح في أقل من كيلومتر مربع، ووفقاً لبعض الروايات فإن أنصار الله حولوا تلك المنطقة لقطعة من جهنم، إلى أن وصلوا لمكان صالح وتم قتله وتأجيل الإعلان، أو وفقاً لرواية "الحوثيين"، قتل أثناء محاولته الهرب، حتى لا يظل بطلاً لدى أنصاره ويتم تصويره على أنه خائن لمؤيدية.
"قتل صالح"، فماذا بعد؟
انتهى صالح وسيطر "أنصار الله" على الشمال منفردين، فهل يستطيعون تحقيق أحلام اليمنيين ويقيمون دولة مدنية على أساس المواطنة بعد فشل النماذج التي رفعت شعارات عقائدية دون أن يكون لديها النموذج الكامل للدولة، وهو ما نادى به، عبد الله صبري، رئيس اتحاد الإعلاميين بصنعاء والذي كتب تحت عنوان "نحو عقد اجتماعي جديد"، "إذا كنا متوافقين أن هذه التضحيات يتعين أن تدلف بنا إلى دولة قوية ومستقرة ذات سيادة، بعيداً عما ألفناه من تدخلات ووصاية خارجية خلال العهد السابق، فإن ثمة منجزات وتراكمات وطنية تتعلق بالجمهورية والوحدة والديمقراطية والتعددية الحزبية وحرية الصحافة، لا يمكن القفز عليها، وتأخير النقاش حولها حتى يتحقق الانتصار الكبير، بل إن شروع القوى السياسية والوطنية في رسم ملامح العهد الجديد، سيدفع ببقية فئات المجتمع إلى المساهمة في ملحمة الدفاع المقدس بمختلف متطلباتها، وهم مطمئنون إلى أن القادم أفضل، حيث لا مجال للتراجع عن الدولة المدنية الديمقراطية والعادلة التي يتوقون إليها ويضحون لأجلها".
ومضى بقوله والحديث لصبري "لهذه الخطوات أولوية ملحة، وأن الطرف الآخر لا يملك مشروعاً ولا شرعية، وإن إدعاهما، وتجربته على مدى عامين في الجنوب ومأرب، تؤكد على عجزه وفشله في بناء الدولة وتثبيت الأمن والاستقرار، وذلك على عكس الحالة الإيجابية في صنعاء، حيث الأمن والاستقرار، وحيث مظاهر الدولة على الأقل، قائمة وهي تقاوم أضرار العدوان والحصار وتداعياتهما، وقد حان الوقت لكي تنجز القوى السياسية والوطنية في الداخل عقداً اجتماعياً جديداً دون انتظار حل سياسي مع الرياض قد لا يأتي في القريب العاجل".
ولم يترك الكاتب ما يثار حول نوع الدولة التي يريدها "أنصار الله"، "تجربة الحركات السياسية الإسلامية، وقد استهوت الشعارات الدينية ووظفتها في سبيل الوصول إلى السلطة، وجدت نفسها أمام مأزق حقيقي، وهي تدير الدولة العميقة، وترعى مصلحة كل فئات المجتمع بما في ذلك المعارضين لها، ولو أنها تسلحت ببرنامج متكامل وواقعي ومتوافق عليه مع شركاء الوطن، لأمكن لها تفادي الفشل والسقوط السريع، تتطلع إلى حوار وطني على قاعدة مواجهة الحرب، وبناء الدولة، وصيانة المكتسبات الوطنية".
تمر الرياض في الوقت الراهن بأزمة حقيقية بعد مقتل من كانت تراهن عليه، وبعد رفض نجل صالح أن يلعب دوراً سياسياً جديداً في اليمن نظراً للقيود الدولية المفروضة عليه، ولو قبل ذلك كان سيضع الرئيس عبد ربه منصور هادي في مأزق كبير، لم يعد أمام الرياض الكثير من أوراق اللعب فقد تم استهلاك معظمها نظراً لطول أمد الحرب غير المتوقع، وبعد أن خرج "أنصار الله" من ثلاث سنوات من القصف بصواريخ وصلت إلى الرياض ودبي وربما تطال مدناً أبعد من ذلك "بغض النظر عن مصدرها" تصنيع محلي كما يقول "أنصار الله" أم تهريب من إيران كما تقول السعودية وأمريكا، الواقع يقول أنهم قادرون على القصف والوصول وكشف عورة منظومة الدفاع الصاروخية "باتريوت".
دول الخليج اليوم في "مرمى الحوثي"، فماذا هم فاعلون؟
الخارجية الأمريكية تدرك حقيقة الأوضاع في اليمن، وتعلم جيداً قدرات صنعاء المحاصرة، وترى بوضوح أن تغييب "أنصار الله" عن المشهد غير ممكن وربما مستحيل، لذا ربطت بين مكان للحوثيين في أي مباحثات سلام وبين وقف الصواريخ على الرياض.
كان الهدف من التحالف كما قيل "مصلحة الشعب اليمني"، وبعد تلك الشهور ها هى الشرعية المطلوب عودتها تنكشف أوراقها وتبدو الأكثر فساداً في تاريخ اليمن، وأنها كانت العون الأكبر للفقر والحرمان الذي يعيشه الشطر الجنوبي، وتشرزم الجنوب اليمني ما بين حكومة "توصف بالشرعية"، حراك يطالب بالاستقلال منذ سنوات ومجلس انتقالي مستحدث يبني مؤسسات دولة ويتم استقبال رئيسه استقبال القادة السياسيين.
الجميع له مصالح في اليمن، فالإمارات العربية تريد الجنوب لتضع يدها على المضايق لتأمين السفن والتجارة من وإلى دبي، والسعودية لا تريد أي ذراع لإيران على حدودها وفقاً لتصورها، وإيران لا تريد انتهاء للحرب في اليمن لتكون أحد أوراق الضغط على الولايات المتحدة والتي قد تطلب إنهاء الحرب من أجل حليفها السعودي، "داعش" و"القاعدة" يرون في اليمن مستقبلهم نظراً لمحورية وتضاريس المكان.
كل المعطيات السابقة تقول إن الجميع في أزمة وورطة وعدم ثقة ولا يعرفون كيفية الخروج، وكما قال رائد الجحافي السياسي والحقوقي المقيم بعدن، إنه يجب أن يكون هناك وسيط دولي قوي وأكثر نزاهه وشفافية ومقبول من معظم الأطراف من أجل إنهاء الحرب.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)