أما هذه المرة يناشد المعتدلون الإيرانيون توخي الحذر رغم دعوة بعض المحافظين إلى التعامل بشدة لسحق أخطر تهديد يواجه الزعماء الدينيين في إيران الذين وصلوا إلى السلطة في الثورة الإسلامية عام 1979.
وهذه الانقسامات تجعل من الصعب على السلطات إخماد التظاهر العفوي خاصة مع عدم وجود زعماء واضحين للاحتجاجات يمكن تحديدهم واعتقالهم.
وأظهرت تسجيلات مصورة على الانترنت المصاعب التي تواجهها السلطات الإيرانية في السيطرة على الاحتجاجات على عكس 2009 عندما كانت المعارضة لديها تسلسل قيادي واضح.
وعرضت لقطات في عدد من مواقع الانترنت شبه الحكومية رجالا يرتدون معاطف بيضاء ذات أغطية رأس وُصفوا بأنهم زعماء الاحتجاجات، وأشارت اليهم أسهم حمراء على الشاشة بأنهم يتزعمون الهجمات على الشرطة والأبنية.
وفي 2009، كان لما يسمى بالحركة الخضراء التي اتُهمت بتأجيج الاحتجاجات العارمة التي استمرت شهورا شخصيتان رئيسيتان واضحتان وكلاهما قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2011 رغم أنه لم توجه اتهامات لأي منهما.
مقتل عشرة
وبدأت أحدث اضطرابات يوم الخميس عندما تظاهر المئات في شوارع مشهد ثاني أكبر مدن إيران للاحتجاج على المصاعب الاقتصادية والفساد المزعوم.
لكن في تحد سياسي نادر، دعا المتظاهرون سريعا إلى تنحي الزعماء الدينيين ومنهم أعلى سلطة في نظام ولاية الفقيه الذي يشمل حكما دينيا وجمهوريا — وهو الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي-.
ومنذ الخميس خرج عشرات الآلاف من الناس إلى الشوارع في أنحاء إيران مما أثار انزعاج الحكومة والقيادة الدينية.
وقُتل عشرة أشخاص خلال احتجاجات يوم الأحد وفقا لما أورده التلفزيون الرسمي بينما نشرت بيانات غير موقعة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لمظاهرات جديدة في العاصمة طهران و50 مدينة أخرى.
وفي تصعيد للتوترات حاول محتجون السيطرة على بعض القواعد العسكرية ومراكز الشرطة لكن قوات الأمن صدتهم وذلك حسبما ذكر التلفزيون الرسمي دون أن يذكر تفاصيل.
وتحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني بلهجة تصالحية في الوقت الذي وسع فيه المتظاهرون نطاق أهدافهم من سيارات الشرطة والبنوك إلى المعاهد التعليمية الدينية في تحد مباشر للمؤسسة الدينية للبلاد.
ونقلت وكالة الطلبة للأنباء عن روحاني قوله يوم الأحد "ما حدث في الأيام الماضية ربما يظهر وكأنه تهديد لكن علينا أن نحوله إلى فرصة ونرى ما هي المشكلة".
وناقض روحاني نظريات المؤامرة المعتادة التي تتهم قوى الغرب وإسرائيل بالمسؤولية عن مشكلات إيران وأكد ضرورة الوصول إلى الأسباب الأساسية للمشكلة.
وقال "كل هؤلاء الناس لا يتلقون أوامر من الخارج والبعض خرج إلى الشوارع بسبب مشاعرهم ومشكلاتهم".
كما أشار النائب جورجيك أبراميان إلى تزايد الإحباط بسبب وصول معدل البطالة إلى 28.8 في المئة العام الماضي والفساد المزعوم الذي دفع بعض الإيرانيين لوصف الحكومة بأنها مجموعة من اللصوص.
ونقلت وكالة العمال الإيرانية للأنباء عنه قوله "هذه الأحداث نتيجة تراكم مطالب الناس التي جرى تجاهلها". وأضاف "علينا استعادة ثقة الناس في السلطات. إذا حدث ذلك لن يتمكن أي عميل أجنبي من تنفيذ أهدافه داخل هذا البلد".
وسحقت أجهزة أمن الدولة احتجاجات في عام 2009 أعقبت إعادة انتخاب الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد.
وقالت وكالة العمال الإيرانية إن إبراميان حذر من تكرار ما وقع في مركز احتجاز خارج طهران حيث قتل ثلاثة أشخاص وتعرض كثيرون للتعذيب في عام 2009 بحسب ناشطين في مجال حقوق الإنسان.
ولا يبدو أيضا أن للمحتجين خطة واضحة بخلاف تحدي قوات الأمن بل والحرس الثوري.
وربما تتحلى قوات الأمن بضبط النفس هذه المرة لتجنب إراقة الدماء التي ربما تزيد من جرأة المحتجين. لكن ذلك لم يمنع محافظين بارزين من المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة.
ونقل التلفزيون الرسمي عن آية الله صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية الإيرانية قوله "الذين يرتكبون أعمال تخريب وينشرون الاضطراب ينبغي التعامل معهم… بحزم".
ومع عدم وجود خيارات تذكر هاجم بعض الزعماء الإيرانيين مرة أخرى الولايات المتحدة. وقال مسؤول عسكري كبير إن التعبير عن دعم المحتجين من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين يظهر أن لواشنطن دوافع خفية.
ونقل الموقع الإلكتروني لمحطة (آي.آر.آي.بي) الرسمية عن مسعود جزائري المتحدث باسم القوات المسلحة وأحد قادة الحرس الثوري قوله "يشير تدخل كبار الزعماء الأمريكيين إلى جانب دول أخرى ووسائل إعلام، إلى أن أمريكا تخطط لإثارة فتنة جديدة في إيران".
لكن ذلك لم ينجح حتى الآن في صرف انتباه الإيرانيين عن مشكلاتهم الداخلية.
ويقول محللون إن زعماء إيران يعتقدون أن بإمكانهم الاعتماد على دعم كثير من أبناء الجيل الذي شارك في ثورة عام 1979 بسبب التزامهم الأيديولوجي والمكاسب الاقتصادية التي حققوها في ظل وجود الحكومة الإسلامية.
لكنهم يقولون إن العدد المتزايد من الشبان المشاركين في المظاهرات يشير إلى أن الحرس القديم ربما يضطر لتقديم تنازلات والرضوخ لبعض مطالب هؤلاء الشبان.