بالطبع من أجل الحصول على مكانة مرموقة ضمن التصنيفات يقف وراؤه عمل جبار من قبل موظفي الجامعة.
أولاً، هذه الجامعات أصبحت تولي اهتماماً كبيراً لتحسين نوعية التعليم وذلك من خلال إطلاق دورات على الانترنت على مواقع تعليم الكتروني دولية مثل (Coursera, edX) إلخ، وتقوم بإنشاء برامج تعليمية باللغات الأجنبية وتتعاون مع الجامعات الأجنبية والمؤسسات العلمية الرائدة.
ثانياً، تجري هذه الجامعات دراسات علمية متطورة حول قضايا مهمة، مما يسهم في نمو المؤشرات الخاصة بتحليل الاستشهادات المرجعية. وأكثر من ثلث إجمالي المنشورات التي يتم فهرستها من قبل قواعد البيانات الدولية هي منشورات لباحثين من الجامعات المشاركة في مشروع "5-100". وتصل حصتهم من إجمالي المنشورات الروسية التي يتم الاعتماد عليها إلى 50%، مما يؤكد مرة أخرى المساهمة الكبيرة لهذه المجموعة من الجامعات في تمثيل روسيا على الساحة العلمية الدولية.
لقد انطلق مشروع "5-100" في عام 2013 عملاً بمرسوم الرئيس الروسي رقم 599 بتاريخ 7 أيار/مايو 2012 "حول التدابير الرامية إلى تنفيذ سياسة الدولة في مجال التعليم والعلوم". وقتئذ بالتحديد تم وضع مهمة في غاية الأهمية أمام الجامعات الروسية وهي الدخول ضمن أفضل 100 مؤسسة تعليمية وفقاً للتصنيفات العالمية التعليمية الثلاثة، بحيث يتم التأكيد على قدرة الأساتذة والباحثين على مواكبة المستوى العلمي العالمي.
لابد من الاعتراف بأن عملية الحصول على معارف علمية جديدة، وكذلك تصميم تقنيات عالية، تستغرق وقتاً طويلاً. إذ أنه من الضروري بناء المختبرات الجديدة وجذب كبار العلماء الدوليين وتوفير ظروف العمل المناسبة لهم وشراء الأجهزة والمعدات المتطورة جداً. ومع ذلك، فبعد خمس سنوات فقط من إطلاق البرنامج أصبحت مساهمة الطلاب وموظفي الجامعات الروسية ضمن نشاط التعاون البحثي الدولي واضحة للعيان.
في هذا الإطار أشار، ميخائيل فيلونوف، نائب رئيس الجامعة لشؤون العلوم والتكنولوجيا والابتكار في الجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية قائلاً "بالنسبة لنا فقد فتح برنامج "5-100" الطريق لنا نحو المستقبل. ويمكن أن نعبر عن نتائج هذا المشروع على النحو التالي لم يتم هدر الأموال وإنما استثمرت للتطوير. وبالمقارنة مع أي برنامج فيدرالي آخر، فإن برنامج "5-100" يسمح بشراء المعدات والأجهزة ودعوة أي عالم معروف وكذلك بناء المختبرات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك تسمح الكتلة المالية لمشروع "5-100" بوضع جدول أعمال علمي خاص وربطها مع جدول الأعمال العلمي الدولي. وهذا البرنامج يقدم لنا 70% من أفضل المنشورات التي تخصصها جامعة "ميسيس" بشكل عام، كما تعتبر مختبراتنا الجديدة بمثابة قاطرة لجميع العلوم الروسية. نحن أصبحنا ضمن 100 أفضل جامعة في مجال المعادن والتعدين، وضمن 200 أفضل جامعة في علم المواد، ونحن نعتبر هذا الإنجاز هو نمو ديناميكي لم يسبق له مثيل".
ما هي الإجابات على الأسئلة والنتائج العلمية التي تم الحصول عليها والتي تشكل ثقة العلماء ورؤساء الجامعات القائمة بدعم من مشروع "5-100"، في فعالية هذا البرنامج؟
إنجازات التعاون العالمي بمشاركة علماء من الجامعات الروسية بدعم من برنامج "5-100"
الباحثون من مجموعة شركات فانتوم-5 الدولية لعلماء الوراثة، بمشاركة مع العاملين في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، قاموا بجمع أطلس الأحماض النووية الريبوزية الدقيقة، والذي سوف يساعد على فهم الدور الذي يلعبونه في تطور مختلف الأمراض.
وخلال الدراسات تمكنا من العثور على ما يقرب من 300 جزيء من الأحماض النووية الريبوزية الدقيقة، والتي لم يكن العلماء على معرفة بوجودها من قبل أو الكشف عن بعض وظائفها.
إن دراسة الأحماض النووية الريبوزية الدقيقة، كما يشرح الباحثون، معقدة كونها تعمل ضمن الخلايا الحية، وفي بعضها فقط. ولهذا فإنه من الصعوبة بمكان تحديد بنيتها ودورها من خلال استخدام حواسيب والأجهزة الخاصة بسلسلة الجينوم.
وقد علقت يوليا ميدفيديفا، وهي باحثة بيولوجية في علم الأحياء الجزيئية لمركز التكنولوجيا الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ومعهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا على نتيجة أحد الباحثين قائلة: "إن إنشاء أطلس شامل عن الأحماض النووية الريبوزية الدقيقة لمختلف الخلايا يقربنا من فهم الصورة الكاملة لعملية تنظيم الجينات.
على سبيل المثال وجد علماء الأحياء على مدى السنوات الخمس الماضية أن الخلل في عمل الأحماض النووية الريبوزية الدقيقة يعتبر سبباً لظهور "أصوات" في رؤوس الناس، الذين يعانون من مرض انفصام الشخصية، وكذلك كشفوا عن علاقة هذه الأصوات بمرض السرطان والسكري وأمراض خطيرة أخرى. ولذلك من الصعب تقييم أهمية هذه الدراسة حق تقدير.
تمكن الباحثون من الجامعة الوطنية للبحوث النووية جنباً إلى جنب مع فريق دولي من علماء الفيزياء الفلكية من أكبر البلدان الأوروبية (المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا) من محاكاة عملية تشكل الكواكب حول النجوم، وذلك من خلال نشر النتائج في مجلة علمية مرموقة "Science Advances".
وقد أجرى هؤلاء العلماء محاكاة مخبرية لنمو كتلة جرم سماوي عن طريق تأثير الجاذبية وسحب المواد من الفضاء المحيط، أي ما يسمى بالتنامي. إذ أن دراسة هذا الموضوع يعطينا معلومات حول تبادل الكتلة والطاقة وتمركزها بين الكائن "الجامع" ومحيطه.
وقد صرح أحد الباحثين وهو، يفغيني فيليبوف، من معهد تكنولوجيا الليزر والبلازما التابع للجامعة الوطنية للبحوث النووية قائلاً "إن نتائجنا تؤكد ضرورة إجراء دراسة حسابية دقيقة لامتصاص الأشعة في البلازما من أجل تقديم محاكاة سليمة للعمليات التراكمية لدى النجوم الفتية".
مما تشكل الكون البدائي؟
هناك فريق علمي آخر من الجامعة الوطنية للبحوث العلمية تحت إشراف رئيس الجامعة ميخائيل ستريخانوف، انضم إلى مجموعة التعاون الدولي "ستار". هذا الفريق هو الأول في العالم الذي أكد من خلال التجربة على وجود دوامات في مادة كوارك-غلوونية، التي تشكلت جراء اصطدام النوى الثقيلة.
هذه النتيجة تسمح لنا بالاعتقاد بأن مادة الكون حديث الولادة كانت مادة ساخنة وسائلة جداً يمكن أن تحوي على دوامات كمومية مع خصائص ذات قيم متطرفة.
ويعتقد البروفسور فيتالي أوكوروكوف من قسم الفيزياء في الجامعة الوطنية للبحوث النووية قائلاً "إن هذه النتيجة في غاية الأهمية من أجل القيام بأبحاث ودراسات مستقبلية، والتي من جهة، تضمن لنا إحراز تقدم ملموس في فهم التفاعلات المعقدة بين الكواركات والغلوونيات، ومن جهة أخرى من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة لدراسة الالكترونيات الدورانية للسوائل"
بالإضافة إلى ذلك وجد علماء الجيولوجية في الجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية، من ضمن الفريق الدولي الكبير الذي يتألف أيضاً من علماء من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والسويد، أن تفاعل الحديد مع حمض الكربونيك يلعب دوراً حاسماً في تشكل الألماس في باطن الأرض، ويساعد "أجنة" الألماس البقاء على قيد الحياة في ظل الضغوط ودرجات الحرارة العالية جداً.
كان العلماء على مدى وقت طويل يتكهنون حول قدرة المواد التي تشكلت على عمق 600 كيلو متر، في المحافظة على نفسها وهي تجول نحو نواة الأرض. وبحسب قول الباحثين فإن معطياتهم تظهر بأن مادة حمض أورثواغونال الغريبة موجودة ليست فقط في نوى الكواكب العملاقة وإنما أيضا في طبقات الأرض العليا.
إنجاز بمشاركة الباحثين الروس بدعم من برنامج "5-100"
لقد أصبحت بعض الدراسات التي أسهم فيها العلماء الروس إسهاماً كبيراً حدثاً هاماً على الصعيد الدولي، خاصة وأنها تمت ضمن مجموعات صغيرة من فرق التعاون العلمي.
إنجاز في مجال الضوئيات
إن مجلة أخبار البصريات والضوئيات المشهورة (وهي مجلة مهنية للباحثين في علوم الفيزياء) تكشف في كل عام أسماء 30 من أهم الاكتشافات العلمية، ومن بينها كان التطور العلمي لجامعة تكنولوجيا المعلومات والميكانيكا والبصريات، الذي حاز على تسمية إنجاز العام في مجال الضوئيات.
ومن خلال التعاون مع الجامعة الوطنية الأسترالية، فقد قدم الأخصائيون من جامعة تكنولوجيا المعلومات والميكانيكا والبصريات عازلاً طبولوجياً ثلاثي الأبعاد وهو الأول في العالم الذي يتحكم بحركة الضوء. والحديث يدور عن مادة خاصة، يعتبر سطحها ناقلاً للتيار، في حين أن الجزء الداخلي يبقى عازلاً أو شبه موصل.
وقد حاول الباحثون في علم الفيزياء طويلاً تكييف هذه المواد من أجل نقل الضوء والموجات الكهرومغناطيسية الأخرى، ولكن كان أهم العوائق يكمن في حجم العوازل وفقدان الطاقة الكبير، الذي ينشأ في سياق عملها. وفي هذا الإطار يحدثنا ألكسي سلوبوجانيوك الخبير العلمي في جامعة تكنولوجيا المعلومات والميكانيكا والبصريات قائلاً: "في الواقع الحديث يدور عن سلسلة من أقراص النانو والتي يتشكل فيها المجال الكهرومغناطيسي في أحد نهاياتها. وهنا اقترح زميلي ألكسندر بودوبني نظرية، وبعد ذلك قمنا بإجراء تجربة في أفران المايكرويف وفي أجهزة البصريات جنباً إلى جنب مع إيفان سينيف وأنطون ساموسيف. وبفضل العوازل ثلاثية الأبعاد يمكننا الحصول على سلوك للموجات الكهرومغناطيسية، والذي لم يكن من الممكن تحقيقه من الناحية الفنية من قبل".
الغرافين باعتباره جهاز استشعار المعادن الثقيلة
هناك بحث آخر شارك في دراسة الجزء الهام منه باحثون من الجامعة الروسية، والذي حظي بأحقية النشر في إحدى المجلات المرموقة عالمياً "Scientific Reports".
فريق من كبار العلماء التابعين للجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية ومن جامعة لينشوبينغ السويدية ومعهد فرانتسيفيتش لمسائل علوم المادة الأوكراني وكلية ترينيتي الإيرلندية، وجدوا كيف يمكن استخدام الغرافين- أول مادة ثنائية الأبعاد في العالم- كجهاز استشعار للمعادن الثقيلة.
وهنا أوضح إيغور أبريكوسوف رئيس مختبر "نمذجة وتطوير المواد الجديدة" في الجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية وهو بروفسور في جامعة لينشوبينغ قائلاً: "إن المعادن تشكل أكثر الشوائب السامة التي تتوفر في الماء. ولذلك فإن عملية الكشف عنها بشكل سريع ودقيق هي من المهمات الضرورية جداً".
وبما أن الغرافين يختلف عن مواد أخرى في أن متوسط طول المسار الحر للإلكترونات مرتفع جداً فإن الباحثين يأملون في استخدامه في الإلكترونيات على نطاق واسع.
الذرات الاصطناعية واختلاط الضوء
هناك مجلة مرموقة أخرى من أسرة مجلات الطبيعة نشرت مقالاً علمياً لباحثين في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، الذين وجدوا خلال دراسة مشتركة مع علماء الفيزياء البريطانيين بأن الذرات الاصطناعية النظيرة يمكن استخدامها من أجل الخلط بين موجات الضوء، والتي تسرع في تطوير الحواسيب الكمومية وشبكات نقل البيانات.
وهنا صرح أوليغ أستافيف الباحث في مختبر أنظمة الكم الاصطناعية قائلاً: "يمكننا القول الآن بأن خصائص الذرات الاصطناعية هذه يمكن استخدامها لتصميم أنواع جديدة من الالكترونيات الكمومية الدقيقة".
الكيوبت المقابل و"المواد المستحيلة"
وأخيراً أظهر المتخصصون الروس في عام 2017 من خلال عدد من المنشورات في مجلة الطبيعة، نجاحهم في أحد الاتجاهات العلمية الأكثر أهمية — انشاء المواد الخارقة — وهي هياكل اصطناعية تتمتع بخصائص غير موجودة في الطبيعة.
وبحلول نهاية العام الماضي أحرز فريق دولي من الباحثين من الجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية ومن جامعة كارلسروا ومعهد إينا إنجازاً عظيماً من خلال إنشاء ما يسمى بالكيوبيت المقابل والمادة الخارقة على أساسه لأول مرة في العالم.
وقد أشار إليا بيسيدين المهندس في مختبر "المواد فائقة التوصيل" في "ميسيس" قائلاً:
"اتضح أنه بفضل المجال المغناطيسي يمكن استخدام هذه المادة كعنصر تحكم في أنظمة نقل الإشارات الكمومية (الفوتونات الفردية) في الدوائر، التي تعتبر المكون الرئيسي لأجهزة الحواسيب الكمومية. هذا واحد من العناصر الرئيسية في الأجهزة الإلكترونية ذات الموصلات الفائقة".
كل هذه النتائج باتت ممكنة بفضل البرنامج الفيدرالي مشروع "5-100"، والذي يهدف إلى تحسين السمعة والقدرة التنافسية للتعليم العالي الروسي.